كان السفير السودانى فى القاهرة، عبدالمحمود عبدالحليم، قد ألمح، وقت استدعائه إلى الخرطوم، قبل شهر تقريباً من الآن، إلى أن الحكومة المصرية تعرف أسباب الاستدعاء!.
ولم يكشف هو عنها، رغم تلميحه إليها هناك فى العاصمة السودانية.. ولا كشفت عنها الحكومة هنا!.
وقد عاد الرجل هذا الأسبوع إلى عمله، بعد فترة من الغياب، وفى أثناء عودته قال كلاماً معناه أن العلاقة بين البلدين سوف تكون أقوى.. ثم قال ما معناه أيضاً أن العاصمتين سوف تعملان معاً فى اتجاه ألا يتكرر ما حدث مرة ثانية، وأن لدى كل عاصمة من الرغبة فى ذلك ما يكفى!.
ونحن نصدقه بطبيعة الحال!.
غير أن ما يقوله لا تكفى فيه النوايا، ولا حتى الكلام، مهما كان حلواً، وإنما يحتاج الأمر إلى أفعال.. ليس من طرف دون طرف طبعاً، ولكن منهما معاً وبالتوازى!.
وليس أفضل فى هذا المقام من الذهاب إلى قضية الحريات الأربع من أقصر طريق.. وهى قضية تجاوزت مرحلة الكلام بين الدولتين، إلى مرحلة جرى فيها توقيع اتفاقية تقول إن الحريات الأربع هى كذا.. وكذا.. وإنها فى انتظار خطوات تنقلها من خانة إلى خانة!.
وهذه الحريات تبدأ من حرية الانتقال، ثم تمر بحرية الإقامة، ومعها حرية التملك، وتنتهى بحرية العمل التى لا بديل عن أن تكون متاحة أمام كل مواطن مصرى فى السودان، وأمام كل مواطن سودانى فى مصر.. فكأن كل مواطن منهما يحمل جنسية البلد الآخر!.
ولو حدث هذا.. فلن يكون هناك مكان فيما بعد لاستدعاء سفير، ولا لسحب سفير، ولا لأى إجراء من هذا النوع من أى جانب!.
وإذا كان الوزير سامح شكرى قد قال، فى الفترة الواقعة بين استدعاء السفير وعودته، إن قضية الحريات الأربع تواجه مشكلات، فإننى أدعوه إلى الإعلان عن هذه المشكلات، ليكون المواطنون فى البلدين على علم بتفاصيل مسألة تخص كل واحد فيهم، أولاً، ومن أجل أن يوضع كل مسؤول هنا، أو هناك، أمام مسؤوليته عن إنجاح الحريات الأربع ثانياً!.
إننى أسمع وأقرأ، يوماً بعد يوم، عن أن هذه الدولة، من بين الدول من حولنا، قد زرعت مساحات كبيرة من الأراضى السودانية، وأن تلك الدولة من بين الدول من حولنا كذلك قد حصدت محصولها فى مساحات مماثلة.. وفى كل مرة تكون المساحات بمئات الآلاف من الأفدنة!.
ولا اعتراض على أن تزرع هذه.. أو تحصد تلك!.
ولكن الاعتراض هو على ألا تكون مصر من بين الدول التى تزرع هناك، وتحصد، وتستثمر، وتمهد الأرض أمام الكثير من الإنتاج والكثير من فرص العمل!.
والحريات الأربع كفيلة بهذا كله، وبما هو أكث منه، لأنها تؤسس لعلاقة مختلفة بين شعبين، قبل أن تكون العلاقة بين حكومتين.. ولن يكون الطريق إليها هى الأربع، ولا إلى حرية واحدة منها، مفروشاً بالورود!.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية