سليمان جودة
كتبت فى هذا المكان، أمس الأول، أقول، إن سفر وفد رسمى من 17 عضواً إلى لندن، هو نوع من الإهدار للمال العام، حتى ولو كان السفر لنقل أشياء من تجربة التعليم فى بريطانيا إلينا!
وقد علمت أن المهندس شريف إسماعيل اهتم بالموضوع، وأنه سأل الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، عن الأمر، فأبلغنى الأستاذ بشير حسن، المستشار الإعلامى للوزير، أن الوزير الهلالى سوف يسافر برفقة قيادتين فقط من قيادات الوزارة، وأن المجلس الثقافى البريطانى يتحمل تكلفة الإقامة وتذاكر السفر للثلاثة، لأنه الجهة الداعية!
هذا عن وزارة التعليم.. فماذا عن باقى أعضاء الوفد من خارجها؟!.. إن الأوراق أمامى تقول إن 8 من المجلس الأعلى للجامعات سوف يسافرون، وأن معهم 3 من البرلمان، أظن أن مال المجلس الأعلى مال عام، كما أظن أن مال البرلمان مال عام، وأن المسؤولين عن الجهتين مدعوون إلى الحفاظ على هذا المال العام، لأنه إذا لم تسألهم سلطة فى البلد، وتسائلهم عن إهداره، فإن الله تعالى سوف يسألهم يوماً عن تبديده فيما لا يفيد الناس!
ولابد أن رئيس الحكومة مشكور مرتين: مرة لأنه اهتم، وسأل، وتقصى، ثم مرة ثانية لأنه فى اليوم نفسه الذى سأل فيه، واهتم وتقصى، كان يعقد اجتماعاً وزارياً، ويقرر فيه خفض الإنفاق العام فى الوزارات، والمصالح الحكومية، والشركات، ووحدات الجهاز الإدارى للدولة 20٪، وخفض التمثيل الخارجى لجميع الوزارات 50٪، لتكون الخارجية ببعثاتها هناك هى البديل!
هذه خطوة مهمة، غير أن لها بقية أهم، هذه البقية تقضى بأن نقول، كحكومة، لكل مواطن إن هذا الخفض على المستويين سوف يوفر كذا بالضبط من إنفاقنا العام، وإن هذا المبلغ المتوفر سوف يتوجه إلى الباب الفلانى من وجوه الإنفاق العام، التى تعانى عجزاً فى مخصصاتها، وتحتاج دعم الحكومة، أو أن هذا المتوفر سوف يتوجه كله إلى صندوق تحيا مصر.. للإنفاق على ملاحقة فيروس سى مثلاً!
تقليص الإنفاق العام قصة لا بديل عنها، لابد أن تكون واضحة، وأن يكون العائد من ورائها واضحاً أيضاً، محسوباً بالجنيه الواحد، ومعلناً للرأى العام بكل قطاعاته.
هكذا فعل الملك سلمان فى السعودية، قبل أقل من شهر، ومن قبل فعلها يوسف الشاهد، رئيس حكومة تونس، ومن قبلهما فعلتها الكويت مع أعضاء برلمانها بحسم لا يعرف التراجع، ووضوح لا يشوبه غموض!
المواطن الذى يعانى، من حقه أن يرى أن معاناته تصل حكومته، وأن أنينه تسمعه هى، وأنها تتخذ من الإجراءات المحددة ما يخفف فعلاً من وطأة المعاناة، ومن شدة الأنين!
أى مواطن هو شريك فى الوطن، بكل ما للشريك من حقوق، وبكل ما عليه بالطبع من واجبات، ولكنه لن ينهض بواجبه، إذا أحس بأن حقوقه مهضومة، أو أن ماله العام مستباح!