توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقال أثار أزمة في «المحروسة»

  مصر اليوم -

مقال أثار أزمة في «المحروسة»

بقلم - سليمان جودة

ذات يوم في منتصف التسعينات، دعا الدكتور علي السمان إلى عشاء في بيته، وجاء إلى العشاء الأستاذ محمد حسنين هيكل، والأستاذ جمال بدوي، رئيس تحرير جريدة «الوفد» في ذلك الوقت، وجاء معهم بالطبع آخرون إلى بيت الدكتور السمان الذي يطل على النهر الخالد، والذي يقع على مرمى حجر من بيت السادات.

ودار بين الحاضرين حوار حول القضايا العامة التي يتكلم فيها الناس، وكان من بينها جدل كبير ثار وقتها حول مؤتمر كان قد دعا إليه الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع، مدير «مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية»، وكان عنوان المؤتمر: «الأقليات في العالم العربي».

وأبدى هيكل رأيه في الموضوع، وقال إن لديه وجهة نظر مختلفة عما سوف يطرحه المؤتمر الذي كان يتطلع إلى الأقباط باعتبارهم أقلية في مصر. وأنصت إليه جمال بدوي، ودعاه إلى كتابة وجهة نظره في مقال تنشره جريدة «الوفد». ولم يُكذّب هيكل خبراً، فكتب المقال بالفعل، ثم أرسله إلى رئيس تحرير «الوفد» ليأخذ طريقه إلى النشر.

كان عنوان المقال: «الأقباط ليسوا أقلية»، وكان كاتبه يريد أن يقول إن الأقباط ليسوا أقلية بمفهوم الأقليات الشائع في أنحاء العالم، وأنهم إذا جاز أن يكونوا أقلية من ناحية العدد، عند المقارنة بأعداد المسلمين في البلد، فإنهم ليسوا أقلية بأي معيار آخر. كما أن العدد وحده لا يصلح لتصنيفهم أقلية؛ لأن ما تعرفه الأقليات في شتى الدول لا يعرفه الأقباط في «المحروسة»، ولأن للأقليات في كل مكان أشياء يعرفهم الناس بها، ولا تتوفر في حالة الأقباط.

وكانت هذه حقيقة يعرفها الذين يعيشون في القاهرة، وفي أي محافظة خارج القاهرة؛ لأنك في الحالة المصرية لا تستطيع أن تقول إن القبطي يعيش هنا في هذا المكان المنعزل، وإن المسلم يعيش هناك في مكان آخر مجاور له، أو في مكان ثالث بعيد.

هذا غير حاصل، وإنما يعيش الجميع بعضهم مع بعض، ويمارسون الحياة بكل أنشطتها معاً، وكما قيل: الشيء الوحيد الذي يميز هذا عن ذاك، أن المسلم يذهب إلى الجامع آخر الأسبوع لأداء صلاة الجمعة في موعدها، وأن القبطي يقصد الكنيسة يوم الأحد ليشهد قداس الأحد في مكانه وفي موعده أيضاً، وفيما عدا ذلك لا يمكنك أن تميز بين الاثنين، ولا أن تنظر إلى أيهما فتقول: هذا كذا وذاك كذا. لا يمكنك، ولو حاولت في كل المرات.

وقريب من هذا المعنى ما كان البابا شنودة الثالث، بابا الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية، يردده ويقول: «مصر وطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه».

وعلى هذا الأساس نسج هيكل المقال وأرسله، ولسبب ما، فإنه اختار أن يصوغه في شكل رسالة منه إلى رئيس التحرير، وكأنه كان يشعر بأن المقال لن يرى النور على صفحات «الوفد»، أو كأنه كان يتحسب لشيء كان يحس به بينه وبين نفسه، أو كأنه كان يرغب في ألا يثير غضب الناصريين، إذا ضبطوه متلبساً بالنشر في «الوفد» ذات التوجه الليبرالي المعروف.

في الغالب، كان يشعر بأن أصدقاءه الناصريين سوف يلومونه، وفي الغالب كان سيرد عليهم ويقول إنه أرسل خطاباً إلى رئيس تحرير الجريدة، ولم يكتب خطاباً موجهاً إلى القارئ بشكل صريح، ولذلك بدأ المقال بهذه العبارة: «عزيزي جمال بدوي».

كان من المقرر أن يتم النشر في العدد الأسبوعي من الجريدة الذي يصدر يوم الخميس من كل أسبوع، وقد صدر عدد الجريدة في اليوم السابق، وفي صدر صفحته الأولى إشارة إلى المقال الذي سيُنشر في اليوم التالي، والذي سيكتبه فلان، والذي يحمل عنواناً يقول كذا.

يومها، أذكر أنني قابلت الدكتور غالي شكري بالصدفة، فوجدته لا يصدق أن تنشر «الوفد» مقالاً لهيكل على صفحاتها، وسألني عما إذا كان المقال سوف تنشره الجريدة بالفعل، فقلت إن التنويه للمقال منشور في صدر الصفحة الأولى، ولا معنى للتساؤل عما إذا كان النشر سيتم من عدمه، ولأن حديثي مع شكري كان ظُهر الأربعاء، فلم يكن بيننا وبين خروج المقال إلى النور سوى ساعات.

وصدر عدد الخميس خالياً من المقال، ولا كان حتى يضم اعتذاراً عن عدم النشر، وراح الذين انتظروا يتساءلون، وصار الموضوع حديث مصر كلها. وكان رئيس تحرير «الوفد» قد سافر في رحلة خارجية مع الرئيس حسني مبارك، فلم يكن الاتصال به متيسراً، ولا كان أحد يعرف ماذا جرى، ولا لماذا جرى رفع المقال من الصفحات في اللحظة الأخيرة؟

لاحقاً، تبين أن فؤاد سراج الدين باشا، رئيس «الوفد»، هو الذي طلب رفع المقال، وقد حدث هذا بعد أن جاءته اعتراضات واسعة من الوفديين يتساءلون عما إذا كان من المناسب أن تنشر «الوفد» الليبرالية مقالاً لهيكل الناصري؟

الغريب أن سراج الدين لما سألوه في الصحافة عن سبب عدم النشر، تحدث عن أن المادة التي أرسلها هيكل للجريدة مجرد رسالة لرئيس التحرير، وليست مقالاً يمكن نشره بعيداً عن هذا الإطار. فكأن ما كان صاحب المقال يتحسب له فيصوغ مقالته على شكل رسالة لرئيس التحرير، هو نفسه ما استند عليه الباشا في التعلل بعدم النشر!

في 29 من الشهر الماضي، مات الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي كان سبباً في إثارة هذا الموضوع كله من أوله، فتقاطرت هذه المعاني أمامي، فليرحمه الله وقد انتقل إلى العالم الآخر، فما أكثر ما كان يثير من الجدل، ومن الأفكار، ومن القضايا في الشأن العام.

لم يكن اعتراض الباشا على مقال هيكل في حد ذاته، ولا كان في المقال ما يحول دون نشره عموماً، بدليل أنه وجد طريقه إلى النشر كاملاً صباح الجمعة في «الأهرام»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقال أثار أزمة في «المحروسة» مقال أثار أزمة في «المحروسة»



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon