بقلم : سليمان جودة
سوف يأتى علينا يوم نتوقف فيه لنحصى الأشياء الكثيرة التى داس عليها ڤيروس كورونا فى طريقه، وسوف يكون الاحتفال بيوم السعادة العالمى فى المقدمة من هذه الأشياء.. فهذا اليوم يوافق ٢٠ مارس من كل عام، ولكنه مرّ ولم يشعر به أحد هذه السنة، ولا كان لدى أحد استعداد للتوقف أمامه، أو مطالعة قوائم الدول من حيث مواقعها فى مؤشر السعادة حسب معاييرها المعلنة!.
القوائم تعلنها منظمة الأمم المتحدة سنوياً، وفى هذا العام شملت ١٥٦ دولة، ولا أظن أن المنظمة العالمية كانت وهى تعلن القائمة الجديدة تجامل دولة هنا، أو تتحامل على دولة هناك.. فالمعايير واحدة وثابتة، والدولة التى تنطبق عليها المعايير كلها تصبح أسعد الدول تلقائياً، ويصبح سكانها أسعد الناس، فإذا نقص معيار فى دولة من الدول، تراجع موقعها فى القائمة، وإذا نقص معياران تراجعت أكثر.. وهكذا وهكذا.. إلى أن تكتشف بعض الدول أن مكانها هو فى ذيل القائمة، لا لشىء إلا لأنها لا ينطبق عليها أى معيار!.
وقد توقفت أمام قائمة هذه السنة التى قالت إن فنلندا هى رقم واحد دون منازع، وإن أفغانستان هى آخر دولة دون منافس!.
ولم يكن السبب أن فنلندا دولة أوروبية فى أقصى شمال القارة العجوز، ولا كان السبب فى حالة أفغانستان أنها فى أقصى جنوب آسيا.. لا.. لم يكن هذا هو السبب، ولكنه كان يتمثل فى معايير تنطبق تماماً على فنلندا فى الحالة الفنلندية، ولا تجد لها موطئ قدم على أرض أفغانستان فى الحالة الأفغانية!.
ورغم أن مستوى التعليم ليس من المعايير المباشرة التى يتم القياس على أساسها، إلا أنى أتخيل أن صعود فنلندا إلى ذروة القائمة راجع إلى مستوى التعليم الذى يحصل عليه المواطن فيها.. فهى دولة تشتهر بأنها تقدم أرقى خدمة تعليمية لمواطنيها، وعندما تأتى سيرتها فى أى سياق، فإن الاسم يشير على الفور إلى أنها دولة تخص المواطن على أرضها بتعليم جيد لا يُتاح لسواه من المواطنين فى باقى الدول!.
ولابد أن هذا هو السبب فى حصولها على هذا التصنيف المتقدم فى قائمة السعادة.. صحيح أن الدخل من بين المعايير، وكذلك الحرية، ومعهما متوسط العمر، ولكن مَنْ قال إن مثل هذه المعايير وغيرها تنفصل عن الخدمة التعليمية الجيدة؟!.
المفارقة أن أفغانستان هى الدولة الأولى فى إنتاج الحشيش الذى قد يجلب السعادة للمتعاطين، ورغم ذلك فإنه لم يسعف أفغانستان فى شىء.. والمعنى أن سعادة الحشيش مؤقتة وزائلة، وأن سعادة التعليم تدوم طول العمر!.