بقلم - سليمان جودة
أريد هنا أن أفكر بصوت مسموع، وأرغب فى أن يصل هذا التفكير المسموع إلى مكتب الرئيس، لا لشىء، إلا لأن الأمر الذى أفكر فيه، يحظى بدعم كبير من الرئيس، بشكل شخصى، وأيضاً بشكل واضح لكل ذى عينين، وظاهر أمام كل متابع!.
ففى صباح السبت، أعلن المهندس طارق الملا، وزير البترول، التوقف عن استيراد الغاز، ابتداءً من أول هذا الشهر، ثم أعلن أن خطوة كهذه سوف توفر لنا ٢٥٠ مليون دولار، كنا نستورد بها غازاً فى كل شهر.. وبالورقة والقلم يتبين أن حجم ما سوف يتوفر لنا، يصل إلى ثلاثة مليارات من الدولارات فى كل سنة، وبالجنيه يصبح الرقم ٥٥ ملياراً على وجه التقريب!.
وفى اليوم نفسه، أعلن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، أن أمامنا عشر سنوات حتى نصل إلى فصول ذات كثافة معقولة فى مدارسنا، وأننا فى حاجة إلى ١٠٠ مليار جنيه، لبناء ٢٠٠ ألف فصل، إذا أردنا أن تكون لدينا فصول ذات كثافة طبيعية!
والكثافة الطبيعية هى أن يجلس ٢٥ طالباً، لا أكثر، فى الفصل الواحد.. أما أن يجلس ١٢٠ طالباً فى كثير من فصول الجيزة، وفى فصول محافظات أخرى، فضلاً عن الجلوس على الأرض، أو على حصيرة، فهذه معناه أن كل تعليم متطور نحاول تقديمه فى مدارسنا، سوف يظل يصب خارج الكأس!.
وسؤالى هو: هل يمكن صدور توجيه رئاسى، بتحويل المبلغ المتوفر من التوقف عن استيراد الغاز، إلى حساب خاص يتولى إنشاء فصول دراسية تضاف إلى المدارس، أولاً بأول؟!.. إن صدور توجيه رئاسى بهذا المعنى سوف يؤدى، تلقائياً، إلى النزول بالسنوات التى يراها الوزير شوقى مطلوبة، لتحقيق كثافة عادية فى فصولنا، من عشرة أعوام إلى عامين اثنين!.
وعدم صدور توجيه رئاسى بهذا المعنى، سوف يؤدى بدوره إلى أن ننتظر السنوات العشر، بما يعنى أن النظام الجديد الذى يبشر به الوزير شوقى، سوف يكون مُهدداً فى أساسه، لأنك لا يمكن أن تضمن نجاح عملية لتطوير التعليم، فى غير وجود مدرسة تستوعب طلابك، ويجد فيها كل طالب مقعداً مريحاً يساعده على الفهم، وعلى الاستقبال، وعلى الاستيعاب!.. لا يمكن!.
إذا فكرنا بهذه الطريقة فى المليارات الثلاثة المتوفرة، فلن يكون الأمر توجيهاً رئاسياً مُعتبراً، ومُقدراً، وحسب، ولكنه سيمثل خدمة جليلة لنظام تعليمى بأكمله، وسيكون بمثابة هدية شخصية ثمينة من الرئيس إلى كل تلميذ يقصد مدرسته فى الصباح، فلا يجد مقعداً، فيعود بائساً، وتعيساً، وحزيناً، وإذا نام فى ليلته عاد فى اليوم التالى يتجدد فى داخله الأمل، لعل مقعده الغائب يكون فى انتظاره!.
نقلًا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع