سليمان جودة
ننقسم فى 25 إبريل من هذا العام، كما لم يحدث أن انقسمنا فى مثل هذا التاريخ من قبل، وبامتداد 34 سنة كاملة!
ولا سبب لانقسام بهذا الشكل سوى أن الذين أداروا ملف الجزيرتين الشهيرتين عندنا قد أداروه بغباء نادر!
القصة عمرها 34 عاماً، لأن سيناء عادت إلينا بالكامل فى 25 إبريل 1982، ومنذ ذلك اليوم إلى ذكراه فى العام الماضى كنا نتوحد فيه ويملؤنا الفخر .. إلا هذا العام.. الذى جاء علينا 25 إبريل فيه بينما نحن فريقان متخاصمان!
وعندما اعتقل السادات 1536 مواطناً فى 5 سبتمبر 1981، سألوه فقال إنهم بلا استثناء سوف يخرجون مساء 25 إبريل 82، أى بعد أن يطمئن إلى أن أرضه قد صارت كلها، لا بعضها، فى يديه!
وليست مبالغة فى شىء ما يرويه الذين رأوا السادات فى تلك الأيام وكيف أنه قال لأحدهم، ما معناه، إن جمال ابنه.. جمال ابنه نفسه .. لو وقف فى طريقه إلى 25 إبريل 82 فسوف يدوس عليه بقدميه ولن يبالى!
كان السادات، يرحمه الله، يعرف تماماً قيمة الأرض، بل قيمة كل شبر فيها، ولذلك فإن هاجساً وحيداً كان يسيطر على عقله منذ أن تولى السلطة عام 1970، وكان هذا الهاجس هو أن تعود أرضنا بأى طريقة، وبأى ثمن .. وقد أعادها كما وعد.
وذات يوم، كان الدكتور نبيل العربى عضوا فى الوفد المصرى للتفاوض على إعادة الأرض، فى منتجع كامب ديفيد الأمريكى، وكانت الشكوك حول مدى سيادتنا على سيناء، بعد استعادتها، تساور أعضاء الوفد وكانوا يجدون حرجاً فى مصارحة السادات بما فى صدورهم من شكوك.. إلا نبيل العربى الذى ذهب يضع ظنونه وظنون زملائه فى الوفد أمام الرئيس .. فماذا جرى؟!.. أمهل السادات الدكتور نبيل إلى أن أنهى كلامه، ثم توجه إليه وهو يقول إنه فلاح من المنوفية، وإن ما يعرفه عن فلاح المنوفية، وعن أى فلاح بالعموم، أنه يحب أن يضع حديدة فى الأرض تفصل تماماً بين أرضه وأرض الجار، وأن الفلاح الأصيل لا يرضى عن هذه الحديدة بديلاً.. سكت السادات قليلاً، وأظن أنه قد أدار البايب الشهير فى فمه، ثم قال لنبيل العربى: وأنا يا ابنى لا أريد شيئاً سوى هذه الحديدة بينى وبين إسرائيل وما عداها تفاصيل ومقدور عليه!
والذين انتفضوا بسبب الجزيرتين، ولايزالون، كان هذا الفلاح الأصيل الذى قصده السادات يستقر فى وجدان كل واحد فيهم، ولأن الذين أداروا الملف، ساعة إعلانه علينا، معدومو الخبرة السياسية، ولأنهم لا يملكون حساً سياسياً راقياً من النوع الرفيع الذى كان السادات يملكه، ولأن الحس السياسى عندهم من النوع الردىء فإنهم تصرفوا بحماقة فى إخراج الملف وفى توقيته معاً، فكان أن انقسمنا فى يوم يجمع بطبيعته بيننا، ولا يفرِّق!.. فلا سامحهم الله، ولا غفر لهم!