سليمان جودة
أحدث كتاب عن السادات موجود فى الأسواق، عن دار نوفل فى بيروت، بقلم كاتب فرنسى اسمه روبيرسوليه!
أول عبارة فيه تصف السادات بأنه واحد من رجال دولة قليلين غيروا مسار التاريخ فى القرن العشرين!
وليست هذه العبارة إلا نوعاً من التمويه على القارئ، لأن الروح العامة فى الكتاب بعدها ليست مع السادات فى شىء، كما قد توحى عبارة افتتاح إيجابية من هذا النوع، ولابد أنه شىء مدهش مرتين: مرة لأن المؤلف يتخذ موقفاً من الرجل الذى قرر أن يكتب عنه ابتداء هكذا، ثم مرة أخرى لأن المؤلف غربى، وليس عربياً، مع ما نعرفه عن أبناء الغرب، سواء كانوا فى فرنسا أو غيرها وكيف أنهم عقلانيون أكثر منا فى النظر إلى الأمور، وأنهم أكثر فهماً منا لعقلية السادات، وللطريقة التى كان يفكر بها.
وفى كل مرة كان «سوليه» يفتش عن شىء استبد بعقل السادات، منذ تولى الحكم، كان يكتشف أن هذا الشىء هو الأرض ولا شىء غيرها، وكانت الأرض عنده هى أرض سيناء، وعندما كان «بيجن» يتصلب فى مفاوضات السلام كان يكتشف أنه أمام رجل أشد صلابة منه اسمه أنور السادات، وأنه مصمم على إعادة كل سنتيمتر من سيناء .. وقد فعل .. ثم شاء له الله أن يسقط فى ذكرى اليوم الذى بدأ فيه طريقه إلى تحرير أرضه المحتلة: يوم 6 أكتوبر.
قال فيه الرئيس الأمريكى كارتر كان هادئاً ومفعماً بالثقة، وكان يملك وعياً بعيد البصيرة فى العلاقات الدولية.
ولأنه كان يملك وعياً بعيد البصيرة فى العلاقات الدولية، فإنه أدرك منذ أول لحظة أن سيناء إذا لم ترجع إلى مصر، على يديه، فلن تعود بسهولة ولو تهاون هو فى استعادتها، لكانت الآن شأنها شأن غزة، وشأن الضفة الغربية لا أكثر وربما أقل.
وهو لم يدرك هذا، وفقط، ولكن الحس التاريخى الذى كان يمتلكه هداه إلى أن يرى مبكراً أن الاتحاد السوفيتى سوف يسقط، وعندما سألوه قال ما معناه إن البيروقراطية تكبله، وإنها هى التى سوف تسقطه.. وهو ما حصل!
أفتح هنا قوسين، لأقول، إن هذه البيروقراطية نفسها التى أسقطته قوة عظمى هى التى قصدها الرئيس السيسى حينما قال يوماً إن جهاز الدولة البيروقراطية عندنا لا يمكن أن يبقى على حاله .. قالها الرئيس فى 26 مارس 2014، ثم لم يفعل شيئاً بعدها، ولا يزال الجهاز ذاته على حاله القديم، ولا تزال بيروقراطيته تشتد.. ونحن نتفرج!
وكانت جريدة بريطانية قد كتبت يوم زيارة السادات للقدس، أن رجلاً يجازف بحياته هكذا، لابد أن يتلقى شيئين: جائزة نوبل للسلام، ثم رصاصة من إرهابى.. وقد حصل بالضبط، وكأن الجريدة كانت تقرأ من كتاب مفتوح!
وفى إحدى زيارات موشيه دايان، وزير الخاريجية الإسرائيلى ، إلى المغرب وقتها، قال له الملك الحسن الثانى: لابد أن تساعدوا السادات، لأنه قد جازف بحياته.. ولكن إسرائيل لم تساعده!
دفعه حياته ثمناً ومعه أبطال أكتوبر من قبل ضباطاً وجنوداً لتكون سيناء فى أيدينا، لكنها لم تتجاوز أيدينا إلى عقولنا، ولو حدث لكان لها اليوم شأن آخر، لأن أى عقل سليم يأبى أن تكون هذه هى سيناء بعد استعادتها بـ34 سنة كاملة!.. يأبى حالها أى عقل سليم!