بقلم سليمان جودة
الهستيريا التى دارت بيننا حول شركة مصر للطيران، بعد حادث الطائرة، أضحكت العالم علينا، لأن كل واحد شارك فيها، بدا من بعيد، وكأنه يتحسس بطحة على رأسه، وإذا شئت الدقة قلت: بطحة على رأس الشركة!
كنت أنت لا تفتح صحيفة، ولا تطل على محطة تليفزيون، إلا وتفاجأ بمن يصرخ: سوف لا أركب، إذا سافرت، غير مصر للطيران!
وحين زاد الأمر عن حده، فإنه كان يدعو إلى البكاء حقاً، لعدة أسباب:
أما أولها فهو أنك إذا كنت كمسافر مصرى، سوف تفضل بشكل تلقائى، شركة الطيران الوطنية، فما الداعى إلى كل هذه الهستيريا، التى أكاد أقطع أنها جاءت بنتيجة عكسية، وجعلت كل الذين تابعوها فى دهشة، يتشككون فى الأمر، ويستشعرون بأن شيئاً ما، غير طبيعى، وراءها!
السبب الثانى أنه ليس مهماً أن نركب نحن مصر للطيران، لأن أى إنسان وطنى بيننا سوف يقدمها على غيرها، إذا سافر، وإذا عاد.. فالمهم، بل الأهم، أن يركبها غيرنا.. وإلا.. فإذا ركب المصريون شركتهم الوطنية، وسافر الألمان على طائراتهم وحدها، وكذلك الفرنسيون فقل على شركات الطيران السلام!
والثالث أن غيرنا لن يسافر عليها إلا إذا اقتنع، ثم رأى بعينيه، أنها تقدم له خدمة أفضل من الشركات المنافسة، وهو لن يقتنع بشىء من النحيب الذى انخرطنا فيه، ولكن بما يراه هو.. لا بما نراه نحن أبداً!
فإذا ثبت فى النهاية، ومن خلال التحقيقات الرسمية فى الحادث، أن سبب السقوط كان عطلاً فنياً، يعود لأعمال الصيانة فى الطائرة، وهذا ما لا نرجوه ولا نتمناه طبعاً، فسوف تكون الهستيريا التى دارت، ولايزال لها أصداء، نوعاً من السخف، ونوعاً من الاستخفاف منا بعقول الآخرين خارج الحدود!
وقد كان المتصور، بدلاً من وصلات الكلام العاطفى، الذى هو بلا معنى، وبلا أى قيمة، عن الشركة، وعن مزايا السفر عليها، أن نطلب من مسافرى العالم إلينا، ألا يتعجلوا فى الحكم ضد شركتنا الوطنية، لأنها بريئة تماماً كسبب فى الحادث، إلى أن يثبت العكس، وأن نقول لهم إن الفيصل فى الموضوع كله هو النتائج الرسمية، لا الإعلامية للتحقيقات!
شىء من هذا، لم يحدث مطلقاً، وسمعنا بدلاً منه، كلاماً أهبل، من نوعية: أنا مسافر غداً على مصر للطيران.. أو: أنا رجعت أمس على مصر للطيران!
ولم يكلف أحد خاطره، وسط كل هذا الصخب، ليتوقف ويسأل سؤالاً واحداً هو: لماذا بلغت ديون مصر للطيران 11 مليار جنيه؟!.. وأين ذهب هذا المبلغ، وفى جيب من.. بل جيوب من.. استقر ونام؟!
ثم لم يلحظ أحد أن تقريراً صدر فى منتصف مايو الحالى يقول بأن أرباح طيران الإمارات، فى عام واحد، بلغت 8.2 مليار درهم، أى 20 مليار جنيه تقريباً، فكم بالله ربحت شركتنا، وإذا لم تكن تربح، فما السبب.. وكيف نجعلها رابحة بأكثر مما يربح طيران الإمارات، وغير طيران الإمارات.
هذا هو السؤال الذى علينا أن ننشغل به.. وما عداه، هو تغطية، وتعمية، لا أكثر!