بقلم سليمان جودة
زائر لندن هذه الأيام يكتشف أنها مشغولة بأشياء كثيرة، وكبيرة، وأنها ليست مثل القاهرة الغارقة فى معاركها الصغيرة!
أما الأشياء الكثيرة، والكبيرة، فتبدأ من الاستفتاء الذى سيجرى الشهر المقبل، حول بقاء بريطانيا عضواً فى الاتحاد الأوروبى، أو خروجها.. فالناخب البريطانى هو الذى سيقرر، ولايزال ديفيد كاميرون، رئيس وزرائهم، يضع يده على قلبه، خشية أن تأتى نتيجة الاستفتاء مرجحة الخروج، على عكس رغبته وطموحه!
وتمر الأشياء الكثيرة، والكبيرة، بعيد ميلاد الملكة إليزابيث الثانية، التى تجلس على العرش منذ عام 1952، وتحتفل فى هذا العام بإطفاء 90 شمعة من عمرها الطويل!
ولا تنتهى الأشياء الكثيرة، والكبيرة، عند القمة العالمية التى حضرها ممثلون عن 50 دولة فى العاصمة البريطانية، من أجل هدف واحد هو البحث عن طريقة تحارب الفساد عالمياً، بشكل حقيقى، وليس بمجرد الكلام عن الفساد وعن الفاسدين!
هذه وغيرها تمثل أشياء كثيرة، وكبيرة، تملأ عقول وحياة الناس فى عاصمة الضباب.. غير أن هناك شيئاً آخر يزاحمها جميعاً، ويكاد يتفوق عليها إذا لم يكن قد فاقها فعلاً، من حيث مساحة الاهتمام الشعبى به، ومن حيث مدى السحر الذى لايزال يمثله فى عيون الجميع.. والغريب أنه ليس حدثاً سياسياً، ولا اقتصادياً، ولا ثقافياً، إنما هو حدث رياضى مجرد!
والمؤكد أنك قد استطعت أن تخمن الآن، وأن تتوقع أنى أتحدث عن فوز نادى ليستر سيتى بالدورى الإنجليزى الممتاز لأول مرة فى تاريخه!
ورغم مرور شهر على الفوز، إلا أنه لايزال يملأ الدنيا على الإنجليز، ولايزال بعضهم يصفه كحدث بأنه قد غيّر وجه الكرة البريطانية، ويكفى أن نعرف أن الرهان فى بداية الدورى على حصول النادى على بطولة الدورى كان نوعاً من المستحيل، لأنه عند بدء الدورى لم يكن يسعى إلى الحصول على البطولة، أو حتى يفكر فيها، بقدر ما كان يقاوم حتى لا يهبط من بين قاع الأندية المتصارعة على البطولة، إلى أندية الدرجة الثانية!
عندما تتأمل القصة على بعضها، يتبين لك أن كلمة سر واحدة كانت وراء المستحيل الذى تحول إلى ممكن فى النادى، ويتبين لك أن كلمة السر هذه اسمها: لانييرى!
أما «لانييرى» فهو مدرب الفريق، وهو رجل إيطالى، درّب أندية كبيرة من قبل، وقادها إلى الفوز، وكان وهو يوقع عقد تدريب ليستر سيتى يقطع خطوة فى اتجاه التوقيع، وخطوتين فى اتجاه الابتعاد، ولكنه وضع إمضاءه على العقد، وقرر بينه وبين نفسه أن يصنع مستحيلاً بالنادى المغمور!
القصة فى ليستر سيتى، هى قصة المدرب الإيطالى أساساً، لأنه أدرك من خلال وجوده فى النادى، أن البداية هى وضع كل لاعب فى مكانه، وتوظيف كل موهبة فى محلها، وتوجيه القدرات كلها فى اتجاه واحد يكون واضحاً أمام كل عين.
القصة فى ليستر سيتى تصلح درساً سياسياً لنا، من الطراز الأول، لأن ما قام به لانييرى فى النادى هو بالضبط ما لاتزال تحتاجه مصر!
كل البلاد التى صعدت بين الدول، مثلما صعد ليستر سيتى بين الأندية، كان فيها «لانييرى» الذى يخصها!