بقلم سليمان جودة
ما أعرفه أن الدكتور الهلالى الشربينى قضى تسعة أشهر، حتى الآن، وزيراً للتربية والتعليم، وأنه على مدى هذه الفترة قد أحال 400 قضية فساد إلى جهات التحقيق، بما يعنى أنه لم يكن هناك يوم واحد يمر إلا ويكون قد أحال فيه قضية، على الأقل، إلى المحققين!
وما أعرفه أنه اكتشف - مثلاً - أن واحداً من قيادات الوزارة كان يعبر النيل لزيارة مدرسة على الشاطئ الغربى منه، وأنه- أقصد قيادى الوزارة إياه- كان فى كل مرة يعبر النيل، يقرر فيها صرف بدل سفر لنفسه، وكان يضعه فى جيبه فعلاً، ويراه مالاً حلالاً، وكان أن أحاله الوزير مع المحالين، الذين استحلوا المال العام بلا أدنى وازع من ضمير!
وما أعرفه أن الوزير الشربينى عندما جاء وزارته أدرك، بحكم أنه أستاذ أصول تربية، أنه لا تعليم دون تربية توازيه، وتكاد تسبقه، ولذلك رصد عشر درجات للحضور والالتزام فى المدارس، ولكن الدولة لم تسعفه فى قرار الدرجات العشر، الذى كان كفيلاً بإعادة شىء من الانضباط، وشىء من الأدب، وشىء من التهذيب إلى مدارسنا!
وما أعرفه أن الدولة إذا أرادت تعليماً فى مدارسها فإن عليها أن تدرك أن التعليم له طريق معروف لابد أن نمشى فيه، وأن الذين أطلقوا على الوزارة اسمها زمان، لم يضعوا التربية، ككلمة، قبل كلمة التعليم اعتباطاً، ولا عبثاً، ولا عفو الخاطر، ولكنهم وضعوها عن قصد، ليقولوا لنا إن التعليم إذا لم تسبقه، ثم تتوازى معه تربية، فلا تعليم!
وما أعرفه أن الوزير لما خسر معركة الدرجات العشر، لأسباب خارجة عن إرادته تماماً، لم ييأس، وإنما ذهب من أقصر طريق إلى معركة أخرى، فى إصلاح المناهج، وكان يردد دائماً، وهو يخوضها، أن الإصلاح معركة مستمرة، وأن التعديل معركة دائمة.
وكان منتهى أملى، ولايزال، أن تدعمه الدولة، وهو يخوض هذه المعركة، وألا تتخلى عنه أبداً، وأن يدعمه أولياء الأمور كذلك.. واحداً.. واحداً.. بأن يكونوا على يقين من أن مناهجنا الحالية فى حاجة إلى نسف، لا إلى مجرد تعديل، وأن الوزارة إذا كانت قد بدأت التعديل مع الوزير الشربينى فإن هذه هى الخطوة الأولى، لا كل الخطوات، نحو أن يتلقى أبناؤنا التعليم الذى يليق بهم فى مدارسهم.
وما أراه، هذه الأيام، أن كل الذين تقاطعت مصالحهم مع ما يريد الرجل أن يؤسس له فى وزارته، وفى مدارسه، يحاربونه حرب بقاء، وليس تسريب أسئلة الثانوية العامة إلا تجلٍ واحد، من تجليات الحرب المعلنة عليه بلا حياء!
والحرب لها أطراف كثيرة كأى حرب، وليس أولها مافيا الدروس الخصوصية بكل جشعها، ولا آخرها رجال الأعمال الذين لما أرادوا أن يعينوا الدولة، فى بناء مدرسة هنا، أو مدرسة هناك، طلبوا أن يكون ذلك بشروطهم، وليس كما تقول القواعد والأصول، فلما أفهمهم الوزير أننا فى دولة، ولسنا فى مجلس عرب، وأن عليهم أن يراعوا ذلك، وينتبهوا إليه، أعلنوا عليه الحرب وقادوها، ولايزالون، من وراء ستار!
وللحرب أطراف أخرى، من أول أباطرة المدارس الخاصة والدولية، وهذا ملف أتمنى أن يفتحه الوزير الشربينى، بشجاعة، وأن تدعمه الدولة فيه بقوة، وهو يفتحه، وسوف تتكشف الأمور فيه عن أهوال، وعن فساد من العيار الثقيل!
الدولة إما أن تكون مع التعليم، بجد، فتقف مع وزيرها، وتسنده، وتمنحه صلاحيات مطلقة، فى الإصلاح، وفى محاربة الفساد، الذى عشش فى ديوان الوزارة وخارجها، أو لا تكون معه، فينتصر عليها كل هؤلاء، قبل أن ينتصروا على الوزير!
إذا كان هناك مجال تستطيع الدولة أن تتجلى فيه، بسطوتها، وقوتها، وجبروتها فهو التعليم، ولا مجال سواه، فانصروا وزيركم على الفاسدين واللصوص، ولا تخذلوه.