بقلم سليمان جودة
أطفأت ملكة بريطانيا 90 شمعة هذا العام، وقد بدأت لندن احتفالاتها بهذه المناسبة فى 21 من الشهر الماضى، وسوف تستمر إلى 21 من الشهر المقبل، ولكن الهدوء يميز الاحتفالات فى كل أحوالها، فلا يستوقفك شىء صارخ فى العاصمة البريطانية وهى تحتفل!.
وقد كتب الله للملكة أن تعيش حتى ترى الأمير جورج، حفيد ابنها الأمير تشارلز، ولى عهدها الذى سوف يستقر فوق العرش من بعدها، وعندما قررت أن تلتقط صورة مع الأسرة الملكية، فى عيد ميلادها التسعين، فإنها توسطت الصورة، ومن ورائها وقف تشارلز، وعن يمينها الأمير وليم، ابن تشارلز من الأميرة الراحلة ديانا، ثم عن شمالها الأمير جورج الذى لايزال طفلاً يحبو، ولو شاء أحد أن يكتب تعليقاً تحت الصورة، لكتب: أمامك أربعة أجيال يجمعها إطار واحد!.
ولكن الشىء الذى يستوقفك حقاً، أنك إذا ضربت رقم أربعة، الذى يشير إلى عدد الأجيال فى الصورة، فى رقم 3، فسوف يكون حاصل الضرب هو رقم 12، وسوف يكون هذا العدد هو عدد رؤساء الحكومة الذين تعاقبوا على بريطانيا منذ أن استقرّت الملكة فوق عرشها عام 1952.
12 رئيس حكومة مروا من أمام الملكة وهى جالسة على كرسيها لا تتغير، وكان آخرهم ديفيد كاميرون، رئيس وزرائها الحالى!.
والشىء اللافت أن عدد الرؤساء الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة نفسها، هم 12 رئيساً أيضاً، بدأوا بالرئيس ترومان، الذى كان فى الحكم يوم أن قامت إسرائيل كدولة، عام 1948، ثم بعدها بقليل، وانتهوا بالرئيس أوباما، الذى سوف يغادر الحكم فى يناير المقبل!.
لا اتفاق طبعاً بين الدولتين على شاطئ المحيط الأطلنطى، على أن يكون رئيس وزراء هنا فى لندن، شرق المحيط، يقابله رئيس فى واشنطن، غرب المحيط، ولكنها فيما يبدو الوتيرة الطبيعية التى يمكن أن تنتظم العملية الديمقراطية، حسب قواعدها فى أى بلد متقدم، أو حتى أى بلد راغب فى أن يتقدم، وأن تكون له مكانة، لا مجرد مكان، بين أمم الأرض.
نظام الحكم هنا، فى لندن، غيره تماماً هناك فى واشنطن، وكل بلد منهما مختلف فى كثير من الأمور، عن البلد الآخر، ولكن شيئاً واحداً جمع بينهما، دون اتفاق، ودون قصد، هو أن هناك حداً أقصى للفترة التى يمكن أن يبقاها الحاكم فى مكانه، سواء كان رئيساً كامل السلطات فى البيت الأبيض، أو رئيس حكومة يحكم بالسلطات نفسها، فى العاصمة الإنجليزية، ولكن فى ظل ملكة تراقب من بعيد، وتملك، ولا تحكم!.
وإذا كان هناك عنوان رابط للقصتين فى البلدين، فهو أن الديمقراطية ملة واحدة لا ملتان، وأنها لا تأتى للشعوب من خلال زر تضغط عليه، فتجد نفسك، كشعب، متنعماً بها، لأن لها مفتاحاً واحداً يؤدى إليها، ويقود إلى انتظام خطواتها، يمثل انتظامها فى بريطانيا والولايات المتحدة فى وقت واحد!.
المفتاح من كلمة واحدة اسمها التعليم، ومن دونه، لا تتجاوز الديمقراطية عندنا، ولا عند غيرنا، مرحلة الكلام!.