بقلم سليمان جودة
علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً محدداً هو: مَنْ يقف وراء تسريب أسئلة الثانوية العامة.. وما هو الهدف الأبعد؟!
أرجو ألا يرد أحد فيقول إن الذين يسربون هم هؤلاء العدد المحدود من الشباب الذين جرى ضبطهم هنا، أو هناك أو أن الذى يسرب هو الموقع إياه الذى يظهر اسمه عند كل تسريب جديد، أو أن الذى سرب هو الموظف إياه أيضاً الذى تم ضبطه مؤخراً.. أو.. أو.. إلى آخر هذه القائمة.. لا.. فكل هؤلاء، فى ظنى، ليسوا الجناة الحقيقيين.. إنهم مجرد أدوات فى القصة كلها.. أما الجانى الحقيقى فالتوصل إليه، وتحديده، هو مسؤولية أجهزة الدولة المعنية، ولا بديل أمامها سوى أن تصل إليه، وأن تحدده، وأن تكشف، عندئذ، عن هدفه الأشمل من وراء ما يفعل!
هذا سؤال أساسى.. وهناك سؤال آخر: ما الذى كان على الوزير أن يفعله لمواجهة التسريب ولم يفعله؟!.. ليس الغرض هنا، بالطبع، هو تبرئة الوزير، أو حتى عدم تبرئته، ولكن الغرض هو أن نجيب عن الأسئلة المعلقة أمامنا فى الأفق، حتى ننتهى منها، ونتفرغ بالتالى للإجابة عن أسئلة أخرى لا مفر من الإجابة عنها!
سؤال ثالث: هل اتخاذ قرار بحجب مواقع التواصل الاجتماعى، التى يجرى استخدامها فى التسريب، كان سيؤدى إلى منعه؟!.. الإجابة هذه المرة سوف أتطوع بها أنا، فأقول: لا!
أما لماذا الإجابة بـ«لا» وليست بـ«نعم» فلأن الجزائر سبقتنا فى هذا الطريق، وقررت فى مواجهة اتساع دائرة ظاهرة الغش نفسها عندها، وفى امتحانات الثانوية العامة ذاتها، حجب مواقع التواصل الاجتماعى، وحجبتها فعلاً لعدة أيام هى أيام الامتحانات.. فماذا كانت النتيجة؟!
النتيجة أن أشخاصاً مدربين نجحوا فى اختراق الحجب ذاته، وسربوا الامتحانات، فكان أن قررت الجزائر إعادة الامتحان.. وبقية القصة عندها منشورة لمن يريد أن يعود إليها.
أريد أن أقول إن الهدف الأكبر من وراء التسريب هو فيما يبدو إرباك الدولة، وتصويرها على ما تراه أنت، مع كل واقعة تسريب جديدة!
ثم أريد أن أقول إن هناك هدفاً آخر أكبر، وأكبر، ويتلخص فى أن فى البلد مستفيدين من بقاء نظام التعليم الحالى على بؤسه، لأن أى إصلاح فيه، معناه المباشر وقف ما يحصل عليه هؤلاء المستفيدون، ولذلك فهى بالنسبة لهم معركة حياة، لا أى معركة!
وعلينا أن ننتبه هنا، بكل ما عندنا من انتباه، ومن وعى، أن هناك مَنْ يدفع فى اتجاه تحميل الوزير الشربينى، المسؤولية كلها، بهدف إقالته فى النهاية.
وخطورة الاستسلام لمثل هذا المنطق أن إقالته إذا حدثت سوف تصور لنا أن المشكلة قد وجدت حلها، وأن القصة قد انتهت، وهو الأمر غير الصحيح بالمرة، لأن الإقالة له لو كانت حلاً، لكنت من جانبى قد ناديت بإقالة الحكومة كلها، لا الوزير وحده!
تسألنى عن الحل فأقول إن للرئيس مجلساً استشارياً يضم كبار عقولنا فى ملف التعليم، من أول أحمد زويل، ومروراً بأحمد عكاشة، وانتهاءً بمحمد غنيم.. وغيرهم طبعاً.. وليس مطلوباً الآن إلا أن يدعوهم الرئيس إلى لقاء لا يحتمل الانتظار، ثم يسألهم سؤالاً من كلمة واحدة، هو: ما العمل؟!
ثم إن على الرئيس أن يأخذ بما سوف يشيرون به، دون نقاش، ليس لأنهم أنبياء منزلون طبعاً، وإنما لأنهم أهل اختصاص، أولاً، ولأن ما سوف يشيرون به سوف يكون ثانياً هو الخطوة الأولى نحو ما يجب أن يكون.. ليس لنا أبداً، أن نرتبك هكذا، فى مواجهة ما يحدث، لأن الحل موجود، ومتوافر، بشرط أن نأخذه من أهله المحترفين.. لا من الهواة!