بقلم سليمان جودة
لا يزال عندى ما أقوله عن لندن التى تبدو لك حين تكون فيها وكأنها عاصمة عربية لا عاصمة غربية من بين أهم عواصم الدنيا!
وهى تبدو لك عاصمة عربية فى جانب أو اثنين فقط من جوانبها بالطبع، خصوصاً روحها التى تشعر بالألفة معها، أما نظافتها، وأما نظام سير الأشياء كلها فيها، وأما قيمة الإنسان كإنسان فيها أيضاً، فكل ذلك بطبيعة الحال لا علاقة له بمثيله فى عواصمنا العربية، أو فى القاهرة تحديداً، التى تبحث بكل أسف عن محافظ لها منذ أكثر من شهرين، فتكتشف هى، ونكتشف نحن معها أنها قد سقطت تماماً من أولويات اهتمام صانع القرار عندنا!
تكتشف مثلاً وأنت فى العاصمة البريطانية أن كثيرين منا لم يقرأوا التقرير الذى صدر فيها قبل ثلاثة أشهر عن جماعة الإخوان، على النحو الذى كان من واجبنا أن نقرأه عليه!
كثيرون بيننا كانوا ينتظرون من التقرير، الذى كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد طلب إعداده عن «الجماعة»، أن يدينها على ما ارتكبت على أرضنا، وليس على الأرض البريطانية هناك.
ولم نكن نلتفت إلى أن ما ارتكبه الإخوان، أو ما ارتكبه عدد منهم، لنكون أقرب إلى الدقة فى حق بلدنا، وفى حق جيشنا، وشرطتنا، وأفراد من الشعب، لا يعنى الحكومة البريطانية فى النهاية فى شىء إلا بقدر ما يمسها هى كحكومة، أو يمس مصالحها فى أى مكان، هذا هو فقط ما كان يهمها.. وهى عندما راحت تجهز تقريراً أو تطلبه كانت تفتش فيه أو فيما سوف يأتى فى سطوره عما يخصها، وليس عما يخصنا نحن، حتى لو كان ما يخصنا ينطوى على عنف أو على تحريض على عنف من طرف الجماعة الإخوانية عموماً أو من طرف أعضاء وقيادات فيها خصوصاً.
التقرير الذى صدر هناك أدان الإخوان إذا تطلعنا إليه من هذه الزاوية، لأنه تكلم لأول مرة عن العلاقة التى تقوم بين المتطرفين الذين يلتحقون بتنظيم «داعش» الإرهابى، ويجيئون إليه من لندن، أو من غيرها من عواصم أوروبا، وبين مساجد ومراكز الجماعة فى هذه العواصم!
فالسؤال الذى كان يشغلهم هو إذا كان أعضاء كثيرون فى التنظيم الإرهابى الداعشى قد جاءوا من الغرب لا من الشرق الأوسط ولا من أى دولة فيه.. فأين تعلموا الإرهاب.. ومن أين شربوا أفكاره؟
وجاءت الدراسة التى قام عليها التقرير لتقول بوضوح إن مساجد ومراكز الإخوان تسقى أعداداً من المترددين عليها التطرف بكل أشكاله، ويخرج الواحد منهم منها وقد صار مؤهلاً لارتكاب العنف أو للتحريض عليه فى أقل تقدير، سواء كان إنجليزياً يحمل جنسية بلده، أو آسيوياً جاء من منطقة جنوب شرق آسيا، ويعيش فى لندن!
وكان مما قيل فى التقرير أيضاً ولم يستوقفنا كما يجب إن أسلمة المجتمع البريطانى هدف بعيد للإخوان، أى أنهم يرونه مجتمعاً خارجاً على ما يعتقدونه، بما يعنى أنهم ضده كمجتمع فى الحساب الأخير.. وهذه إدانة فى حد ذاتها، أظن أن لها الآن حساباتها فى أجهزة بريطانيا المعنية!
والمعنى أننا مدعوون إلى إعادة قراءة التقرير فى هذا الإطار، وإلى أن نظل نتذكر ونحن نقرؤه، أن يوسف القرضاوى قال يوما إن البغداى الذى يدير «داعش» كان إخوانياً فى شبابه.. قالها القرضاوى ولم يتراجع عنها!