سليمان جودة
إذا كان لى أن أدعو المشاهد فى أيام رمضان إلى شىءٍ مفيدٍ يراه، فسوف أدعوه إلى أن يدير مؤشر التليفزيون فى ساعة ما بعد الإفطار مباشرة، على قناة (صوت الشعب)، ففى هذه الساعة، سوف يجد فيها ما يسره تماماً، وسوف يصادف، فى كل ليلة، ما يحقق له متعة عقلية مؤكدة!
إننى أحاول أن أنقذ السادة المشاهدين من حالة التوهان التى قد تصيبهم كلهم، أو بعضهم، عندما يجدون أنفسهم حائرين بين 60 مسلسلاً على مختلف الشاشات، وعندما يكتشف كل واحد فيهم، كمشاهد، أنه تائه.. ماذا يرى؟!.. وماذا يغفل ويهمل؟!
ولو أن المشاهد كان قد أدار المؤشر، على هذا النحو، بعد إفطار الإثنين الماضى، فإنه كان سيجد فى انتظاره لقاءً، امتد لساعة ونصف الساعة مع الموسيقار عبدالوهاب.. أما الذى أجرى الحوار، باقتدار، كعادته، فهو الأستاذ مفيد فوزى، وأما الكلام الذى جرى على لسان عبدالوهاب، فهو رائع حقاً.
كنت أنت ستسمع منه، مثلاً، أن حاسة السمع عنده هى أهم ما فيه، لدرجة أنه قال جاداً، إنه لا يأبه كثيراً بوجود عينيه، ولا يديه، ولا قدميه، ولا.. ولا.. من بين سائر أعضاء جسده، لأن أهم ما عنده هو أذناه، لأنهما فى القرآن الكريم يتقدمان دائماً على العينين، ولأن الله تعالى لم يتكلم فى كتابه الكريم عن البصر، إلا وجعل السمع سابقاً عليه، وفى جميع الحالات.
روى عبدالوهاب فى الحلقة أن طه حسين اجتمع ببعض تلاميذه يوماً، ثم انصرفوا عنه بعد أن استمع منهم، إلا واحداً من بينهم بقى فى مكانه، ليسأل عميد الأدب العربى عن السبب الذى جعله لا يسمع منه كما سمع من باقى الزملاء.. قال طه حسين: ولكنك لم تتكلم لأراك!.. وكان المعنى أن عميد الأدب كان يرى بأذنيه، بعد أن عزّ عليه أن يرى بعينيه، وكذلك الحال مع كل إنسان آخر بالضرورة!
والدرس الذى أراد موسيقارنا العظيم أن يعطيه لنا، أن نتعلم كيف نسمع الآخرين، وأن نتعلم كيف ننصت، وأن نتعلم الأهم، وهو أن نعرف كيف نجد متعة فيما نسمعه!
وفى مساء أمس الأول، كان مشاهد القناة على موعد آخر مع لقاء للأستاذ طارق حبيب، أجراه مع عملاق التلاوة مصطفى إسماعيل.
وكان أن التقى إسماعيل مع عبدالوهاب دون اتفاق مسبق حول نقطة واحدة، فقال المقرئ العظيم، يرحمه الله، إن أستاذه الأول هو المستمع، وإنه راح فى أيامه كلها يتعلم أصول التلاوة على أيدى مستمعيه الذواقة، قبل أن يتعلمها فى قاعات الدرس.. وذات مرة، راح يتهيأ لتلاوة شىء من آيات الذكر الحكيم، وما إن استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى صاح أحد الجالسين أمامه: «ما تنفعش!».
ولم يكن أمام الشيخ مصطفى إلا أن يعود للاستعاذة بالله من جديد، وبأداء مختلف، لعله ينال رضا مستمعيه، ولأنه كان يعرف أنهم مقياس للجودة فى التلاوة وفى الأداء عموماً لا يخيب!
وفى حلقة ثالثة كنت أنت ستجد نفسك على موعد مع لقاء بين حبيب وصلاح جاهين.. ثم مع رابع، وخامس، من كبار مبدعى زمان.. إنها متعة يومية يجب ألا تفوتك، من هنا إلى آخر الشهر!