سليمان جودة
إذا كانت ثورة 25 يناير 2011 معجزة بأى مقياس، من حيث إنها قضت على استبداد نظام، ثم قضت أيضاً، وهذا هو الأهم، على فكرة التوريث تماماً، فإن ثورة 30 يونيو 2013، كانت إبداعاً جديداً من جانب المصريين، وكانت معجزة أخرى تضاف إلى سابقتها.
ولو أن أحداً أراد أن يتعرف على وجه الإبداع فيها، فسوف لا أطلب منه شيئاً، إلا أن يعود إلى الأمل الكبير الذى كان قد راود المواطنين جميعاً، يوم نجحت 25 يناير، ثم يقارن بعقله بين حجم ذلك الأمل، فى وقته، وبين ما وصل إليه أمل من هذا النوع، طوال عام كان فيه «مرسى» حاكماً للبلد.
كانت البهجة تعم مصر بكاملها يوم أن تخلى مبارك عن الحكم، فى 11 فبراير 2011، وكان مصدر البهجة أن كل مواطن قد أحس فى أعماق وجدانه بأن الطريق قد أصبح مفتوحاً لتحقيق أهداف 25 يناير الثلاثة، وتجسيدها على الأرض، من أول العيش بمعناه العام، مروراً بالحرية، وانتهاء بالعدالة الاجتماعية.
وحين تولى «مرسى» الحكم فى 30 يونيو 2012، فإن الأمل الكبير إياه قد راح يراود كل مصرى من جديد، فإذا به، يوماً بعد يوم، يتحول إلى سراب، وإذا به ينطفئ، وإذا بالذين انتخبوا «مرسى» يكتشفون، مع مرور الوقت، أنهم انتخبوا رجلاً أقل، من حيث قامته، من قامة بلد عظيم بحجم مصر، وأنه، كحاكم، ليس على قدر طموح الذين قاموا بالثورة على مبارك، وأنه، أى «مرسى»، لم يشأ أن ينسى طوال 12 شهراً له على الكرسى، أنه جاء من جماعة الإخوان، وأنه إليها سوف يعود، ولذلك لم يكن هناك قرار يصدر عنه كرئيس، إلا وتلمح أنت كمتابع للأمور مصلحة مباشرة للجماعة من ورائه.
أمام وضع هذه هى ملامحه، بدأ كل مواطن محب لبلده، وحريص على وطنه، يشعر بأن جماعة الإخوان تحاول أن تبتلع الدولة كاملة، ولأن الدولة المصرية كانت فوق طاقة الجماعة على الابتلاع، فضلاً عن الهضم، فإن المسألة قد استعصت عليها تماماً، وبدا للجميع بوضوح كامل أن الجماعة لا تريد أن تصدِّق أنها فى الحكم، وإذا صدقت افتراضاً، فإنها لا تريد أن تفهم أن الدولة، التى شاء لها القدر أن تحكمها، أكبر منها بمراحل، وأنها، كجماعة، إذا أرادت أن تستمر فى الحكم، من خلال «مرسى»، فإن عليها أن تتوقف كلياً عن محاولات الاستحواذ على الوطن، فهى محاولات كان يبدو لكل ذى عينين أنها محكوم عليها بالفشل.
لم تستوعب الجماعة هذا كله، وتعامت عنه، ونسيت، أو تناست، أن الذين انتفضوا فى ثورة 25 يناير كانوا قد خرجوا من أجل «أمل» لدى كل واحد فيهم، ولهذا السبب فإن إعجاز 30 يونيو يتلخص فى أن الذين خرجوا فيه إنما فعلوا ذلك ويعلنون بأعلى صوت أنهم لن يسمحوا لأحد بأن يخنق أملاً يعيشون عليه.
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "