سليمان جودة
ليست هذه هى المرة الأولى، التى أستمع فيها إلى الدكتور زاهى حواس، وهو يحاضر عن آثار مصر فى الخارج.. لقد سمعته من قبل، فى مدينة دالاس الأمريكية، ورأيت وقتها، وكان ذلك قبل يناير 2011، كيف أن لدى أمريكيين كثيرين غراماً خاصاً به، وبكل كلمة يقولها عن بلده!
هذه المرة، كانت مساء الجمعة الماضى، وكانت فى مدينة إيطالية اسمها كورتونا، وهى مدينة تستقر مساكنها فوق قمم الجبال الخضراء شمال روما، وبالضبط فى منتصف المسافة بينها وبين ميلانو، إحدى مدن الشمال الكبرى.
والحقيقة أنه ما أبعد المسافة بين ما كان «حواس» يقوله عنا، فى دالاس الأمريكية، قبل يناير 2011، وبين ما تبين له أن ضميره يمليه عليه ليقوله، بعد يناير 2011، فى كورتونا الإيطالية!
فى المرة الأولى، كان يقول، ما معناه، إن اسمه فلان، وإنه ليس فى حاجة لأن يقدم نفسه لأحد، لأن الأمريكان، كشعب، يعرفونه جيداً، خصوصاً إذا ارتدى قبعته الشهيرة، وكان فى تلك المرة يقول، ما معناه أيضاً، إنكم أيها الأمريكان، إذا كنتم قد عرفتمونى بما يكفى، فتعالوا معى أقدم لكم بلدى، وآثار بلدى بالكلمة، وبالصورة معاً، وكان يفعل ذلك، ولايزال طبعاً، ببراعة كبيرة، وكانت براعته فى الحديث عن بلده، وآثارها، تتجلى أكثر ما تتجلى، فى إعجاب لا تخطئه العين، على وجوه الحاضرين، الذين كانوا بالآلاف!
فى هذه المرة الثانية، مساء الجمعة، كان قد ذهب من أجل شيئين، أولهما أن يوقِّع كتاباً جديداً صدر له هناك، بالإنجليزية والإيطالية، فى وقت واحد، تحت عنوان: سحر الأهرامات.. ثم عنوان فرعى صغير يقول: مغامراتى مع الآثار!
وأما الهدف الثانى، فكان يتمثل فى محاضرة جديدة ألقاها فى حشد من الإيطاليين على مسرح المدينة، وقد سبق المحاضرة فيلم قصير، يضم شهادات عنه لشخصيات مصرية كبيرة، وكانت جيهان السادات فى مقدمتهم، ومعها عمر الشريف، وكلاهما قال إن «حواس» هو من أفضل الذين يمكن أن يمثلوا مصر خارجها.
كان الجو فى القاعة خانقاً، لأن نسبة الرطوبة فى سماء كورتونا، كانت عالية فى تلك الليلة، ومع ذلك، فإن الذين احتشدوا ليسمعوا ويروا عن بلدنا، لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم، وهم ينصتون إليه متحدثاً عن مسيرته، ومسيرة بلاده بالتوازى، من التصفيق عدة مرات!
ولم يكن الرجل يقول فيهم كلاماً إنشائياً، ولكنه طوال ساعة ونصف الساعة، كان يعرض عليهم صوراً عن مصر، وعن آثارها، وكان يخاطبهم بأنه يريد منهم شيئا واحداً هو أن يكونوا على يقين من أن مصر، كمقصد سياحى، آمنة تماماً، وأن على كل واحد منهم، أن يبلغ هذه الرسالة لغيره، وأن كل ما يمكن أن يُقال لهم، بخلاف ذلك، لا علاقة بينه وبين الحقيقة على الأرض.
«مصر آمنة».. تلك كانت الرسالة المختصرة التى تمنى لو أنه وضعها فى كوب ثم سقاها لكل إيطالى فى طول الدولة هناك وعرضها!