سليمان جودة
فى الفترة التى تلت الغزو الأمريكى للعراق، عام 2003، وفى غمرة الحرب الأمريكية القذرة على الدولة العراقية، أحس عدد كبير من المثقفين والعلماء الأمريكان بأن سكوتهم على ما يفعله بوش الابن، باسم بلدهم، سوف يظل جريمة من جانبهم، تطاردهم فى اليقظة وفى المنام!
ولم يشأ أولئك المثقفون والعلماء أن يتوقفوا عند حد الإحساس النظرى بالذنب، ولم يشأ كل واحد منهم - وكانوا عدداً كبيراً- أن يكتفى بمصمصة الشفاه ألماً مما يرتكبه بوش الابن، فى العراق، من حماقات!.. وقرروا أن يفعلوا شيئاً يبقى.
ولذلك، جمعوا أنفسهم، وصاغوا بياناً قوياً كان عنوانه: «ليس باسمنا».. ونشروه فى الصحف الأمريكية، وفى غير الصحف الأمريكية، على صفحات كاملة فى كبريات الجرائد، بحيث وصلت «الرسالة» من ورائه إلى كل ذى ضمير حى فى العالم.
ومن عنوان البيان، ثم من مضمونه من بعده، أرادوا أن يقولوا إن هذه العربدة التى يمارسها بوش الابن، فى العراق خصوصاً، وفى العالم عموماً، إنما يمارسها باسمه هو، وتحت اسم إدارته الحاكمة هى، وليس باسم مثقفى الولايات المتحدة، أو أى من أحرارها، أو علمائها الأمناء مع أنفسهم!
وعندما يأتى أحد فيما بعد ليؤرخ لتلك الفترة، فإنه سوف يسجل حتماً، أن رجالاً من أصحاب الضمائر الحية قد عاشوا فى أمريكا، فى الفترة نفسها، وأنهم لم يصمتوا أمام ما كان يجرى، وأنهم رفعوا صوتهم بالرفض، وأن صوتهم قد وصل أنحاء الدنيا، وأن رسالتهم التى أرادوها من وراء بيانهم قد وجدت صدى فى أركان الأرض الأربعة!
شىء من هذا، وإن كان بشكل مختلف طبعاً، يظل مطلوباً من مثقفينا الكبار، ومن أصحاب الرأى فينا، ومن ذوى الضمائر، إزاء ما يقال عن بلدنا فى الخارج، بشكل عام، هذه الأيام، ثم إزاء ما قيل فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بشكل خاص، قبل أيام، عن هذا الوطن، وعن أبنائه، وعن نظامه الحاكم.
ليس مطلوباً منا أن نتكلم مع أنفسنا كالعادة، وإنما المطلوب أن نتكلم مع «الآخر» هناك فى الغرب، وفى الولايات المتحدة، حيث تصدر الصحيفة، وحيث نشرت كلامها الخاطئ عنا، وعن ثورتنا فى 30 يونيو 2013، وعن السلطة التى أفرزتها الثورة، ثم عن الجماعة التى ارتكبت ولاتزال ترتكب إرهاباً فى حق آحاد الناس.
أتصور أن على مثقفينا، وفنانينا، وأصحاب الرأى فينا، أن يصوغوا بياناً أشبه ما يكون ببيان المثقفين الأمريكان وقت غزو العراق، وأن يتم نشر مثل هذا البيان موقعاً بخمسين أو مائة اسم، ومتضمناً ما يجب أن يقال عنا للعالم، وموضحاً بأعلى صوت أن ما نشرته «نيويورك تايمز» عن بلدنا كان خطأ بنسبة مائة فى المائة، وأن الصحيح هو كذا.. وكذا.. بالمعلومة، والرقم والدليل، والبرهان، وليس بأى شىء آخر. فهذه هى اللغة التى يفهمونها هناك، وهذه هى اللغة التى علينا أن نخاطبهم بها طوال الوقت.
ما قالته الصحيفة الأمريكية لابد أن يكون بداية لأن نبدأ فى الحديث مع «الآخر» خارج الحدود، لا أن نظل نخاطب الجمهور المصرى أو العربى بما هو مقتنع ومؤمن به أصلاً، ولا يحتاج إلى المزيد فيه.
وحتى لا يكون الكلام هنا فى الهواء الطلق، فإننى أتصور أن الأستاذ محمد سلماوى، باعتباره رئيساً لاتحاد الكتاب، قادر على أن يبلور مثل هذا الاقتراح، وأن يخرج به إلى النور.