سليمان جودة
الإرهاب الذى هز الكويت وتونس، يوم 9 رمضان، لايزال فى حاجة منا، إلى تأمل هادئ، ثم إلى دراسة أهدأ، من حيث طبيعة الفاعل فى الحالتين، لنخرج منهما بما قد يفيدنا فى تجربتنا مع أهل العنف.
ففى تونس لم يكن الشاب سيف الدين الرزقى، الذى حصد أرواح 39 سائحاً على شاطئ مدينة «سوسة» الساحلية، عضواً فى أى تنظيم جهادى، ولا كان - حسب المعلومات المتاحة عنه حتى الآن - عضواً فى أى جماعة إسلامية، ولا كان من أصحاب السوابق فى مجاله.. بل على العكس.. لقد عمل فى واحد من النوادى الليلية لفترة، وعندما قرر أن يرتكب جريمته، ذهب إلى الشاطئ مرتدياً زى السائح، وحاملاً مظلة الوقاية من الشمس فوق كتفيه، ومخبئاً رشاش الكلاشينكوف فيها، وما إن وجد نفسه بين السياح، حتى ألقى المظلة، وأخرج سلاحه، وراح يطاردهم واحداً واحداً!
ليس هذا وفقط، ولكنه كان طالباً فى جامعة القيروان، وكان يدرس فيها الماجستير، بما يعنى أنه فى نظر أجهزة الأمن المعنية يظل آخر شخص فى تونس يمكن أن يمارس إرهاباً ضد السائح، أو غير السائح، وبما يعنى أيضاً أنه يمثل حالة نادرة للغاية بين مرتكبى العنف هذه الأيام، وبما يعنى كذلك، أن حالته فى حاجة إلى نظر مختلف على حدة، لأنها ليست ككل الحالات، ولأنها كما ترى محيرة، ولولا أنه سقط قتيلاً برصاص الشرطة فى موقع الحادث، لكنا قد عرفنا منه ماذا وراءه؟! ثم مَن وراءه؟!.. فهو الوحيد الذى كان يستطيع أن يفك لغزاً قام فى مكانه بعد أن غادر الحياة.
ولا يختلف حاله عن حال الشاب السعودى فهد القباع، الذى قطع تذكرة طائرة من الرياض إلى المنامة عاصمة البحرين، ومنها ركب الطائرة إلى مطار الكويت، صباح يوم الحادث نفسه، وبعدها بساعات كان يأخذ سيارة إلى مسجد الصوابر، ليفاجئ المصلين فى أثناء صلاة الجمعة، ويفجر نفسه فيهم!
فهد لا يختلف عن سيف، لأنه لا سوابق له تجعله تحت عيون أجهزة الأمن، ولم يحدث من قبل أن جرى اتهامه فى ذبح قطة، فإذا به يذبح 27 مصلياً، فى أثناء صلاتهم، بحزامه الناسف، وإذا به يصيب 227 آخرين!
تأملت صورته التى نشرتها الصحف، وحاولت أن أقرأ أى شىء فى ملامحه، فلم أستطع، وكانت إلى جوار صورته صورتان أخريان، واحدة للشاب الذى أوصله بالسيارة، وواحدة لصاحبها، ولم أجد فرقاً بين الصور الثلاثة، ولا كان فى معالم وجوههم ما يدل على أنهم إرهابيون، أو أنهم يمكن أن يستحلوا قتل الأبرياء فى شهر الصيام، سواء كان الأبرياء من المصلين أو من غير المصلين!
سيف حالة.. وفهد حالة مماثلة، وكلاهما يحرضنا بقوة على أن نعيد قراءة حالتيهما، لعلنا نفهم.. فالفهم بداية أى طريق صحيح.