سليمان جودة
لم يخطئ المهندس إبراهيم محلب عندما زار معهد القلب، ولم يخطئ عندما كشف عن سوء الأحوال فيه، ولكنه سوف يكون بالقطع قد أخطأ إذا كان قد تصور أن حال المعهد يمكن أن يكون على غير ما وجده عليه!
وليس من حق نقابة الأطباء أن تهاجم الرجل لأنه زار، ولأنه كشف، ولا من حقها أن تتهمه بأن زيارته كانت على سبيل الشو الإعلامى، فلا أظن أن زياراته للمعهد، أو لغير المعهد، بامتداد البلد، تتم لهذا الغرض، بل أظن أنه أبعد الناس عن البحث عن شو إعلامى وهو يعمل!
هو رجل أظن أنه مخلص لبلده، وأظن أنه جاد في رغبته في تقديم شىء حقيقى لهذا البلد، وكل ما في الأمر أن طريقته التي يعبر بها عن هذه الرغبة كانت موضع خلاف، ولاتزال!
وإذا كانت النقابة تطلب تخصيص 3٪ من إجمالى الناتج القومى للصحة، فالدكتور خيرى عبدالدايم، نقيب الأطباء، والدكتورة منى مينا، الأمين العام، والذين معهما في النقابة، يعلمون أن الدستور الجديد، الذي جرى إقراره في يناير قبل الماضى، يخصص نسبة للصحة، من إجمالى الناتج المحلى، أكبر من 3٪، وأن الحل ليس في المطالبة باستقالة الوزير أو الخفير!
الحل ليس في استقالة الوزير أو الخفير لأننا إذا طالبنا باستقالة كل مسؤول عن وضع سيئ في البلد، فسوف لا يبقى فيها مسؤول في منصبه، وإنما الحل بأن نقول إن هذا هو الطريق إلى حل مشاكلنا في الصحة، وفى غير الصحة، وإن هذه هي الروشتة التي نراها، ونتمسك بها، وإننا لابد أن نعمل، ونعمل، ونعمل.
وليس من حق النقابة أن تحاول تبرئة نفسها، أو أعضائها، من المسؤولية عن الوضع السيئ في مستشفياتنا العامة، فالأطباء مسؤولون عن جزء من مثل هذا الوضع، وليس عن الوضع كله بالطبع، وبمثل ما أن مستوى التعليم في أي نظام تعليمى مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى المدرس تحديداً فيه، فإن مستوى الصحة، في أي نظام صحى، مرتبط بالقوة نفسها، بمستوى الطبيب فيه.
إننى أتصور أن المهندس محلب يعرف مقدماً أن مستوى نظامنا الصحى لا يرضى عنه عدو ولا حبيب، وقد يكون رئيس الوزراء قد فوجئ بحجم التردى في الخدمة الصحية المقدمة للمرضى في معهد القلب، وما كان له أن يفاجأ، ولذلك، كنت أتوقع أن يعود من زيارة المعهد إلى اجتماع يدعو إليه مع خبراء وأطباء الصحة الكبار والموثوق بهم، ليطلب منهم تصوراً لحل عملى لقضية الصحة عموماً، خلال مدى زمنى يحدده، وبعدها تكون له جلسة مع رئيس الدولة، ليضع أمامه المشكلة، ومعها الحل، ومع الحل سقف زمنى متدرج لإنجازه.
يعرف رئيس الوزراء، ويعرف الرئيس من قبله، أن الأمم تنهض حين تكون عندها أولويتان لا ثالث لهما، هما الصحة والتعليم، وأن هاتين الأولويتين، لا تعرفان الهزار، أو عدم الجدية، وأنه ما من أمة أخذت بهما إلا وتغير حالها من وضع إلى وضع آخر تماماً، في ظرف سنوات معدودة على أصابع اليدين.
إن من سوء حظ المواطن في البلد أن يمرض، ويسوء حظه أكثر ألا يكون له بديل في العلاج سوى مستشفيات الحكومة، وهو وضع سابق على «محلب» ولا نريده أن يكون لاحقاً عليه، وإذا كان هو غير مسؤول عن وصوله إلى ما وصل إليه، فإنه مسؤول عن تغييره، وسوف لا يكون تغييره ممكناً إلا إذا كانت صحة المواطن «قضية» تشغل صاحب الشأن مثله في يقظته، وفى منامه!
أتمنى لو أن «محلب» تصور نفسه محامياً، وأنه ذاهب إلى قاعة محكمة، وفى يديه قضيتان، هما الصحة والتعليم، وأنه لا بديل أمامه سوى أن يكسب المرافعة فيهما كاملة أمام الرئيس، بأن تكونا أولويتين لا ثالث لهما في هذا العام الرئاسى الثانى، وفى كل عام يأتى من بعده.
فلتترافع فيهما يا سيدى بقلب جامد، لأنهما، دون سواهما، باقيتان، وفاصلتان!