سليمان جودة
أبصم بالعشرة وراء الرئيس، وهو يقول فى الدورة التثقيفية التى انعقدت فى القوات المسلحة، قبل أيام، إن المواءمات السياسية مع التيار الدينى، خصوصاً مع الإخوان، على مدى 30 عاماً مضت، هى وحدها التى أدت بنا إلى ما نحن فيه الآن، حين نجد أنفسنا فى معركة دامية مع الإرهاب وجهاً لوجه.
أبصم بالعشرة، لأن هذا بالضبط ما عشناه ورأيناه بأعيننا، عندما كانت الحكومة، مثلاً.. مثلاً، تعلن أنها تقاوم الإخوان، وغير الإخوان، وترفض أن يخلطوا الدين بالسياسة، حتى لا يؤدى ذلك إلى إفساد الاثنين معاً، ثم كنا نكتشف أن هذه الحكومة نفسها، بشحمها ولحمها، هى التى تعقد معهم صفقة، تحت المائدة، لإدخال 88 عضواً منهم فى برلمان 2005!
وأبصم بالعشرة، لأنك لو فكرت فى أن تفتش فى الثلاثين عاماً السابقة على 25 يناير سوف تجد أن نموذج برلمان 2005 متكرر على مدى تلك الأعوام الثلاثين بأشكال وصور مختلفة، وكأن السلطة فى ذلك الوقت كانت تريد أن تقول للإخوان- ما معناه- إن لكم المجتمع بأركانه الأربعة، تتحركون فيه كما تحبون دون سند من دستور ولا قانون، ولنا، فى المقابل، كراسى الحكم لا تقتربون منها!
أبصم بالعشرة لأنها كانت معادلة فاسدة، ولأنها فى النهاية أدت إلى أن يصادر الإخوان كراسى الحكم إلى جوار المجتمع وإلى الحد الذى أصبح فيه إخوانى منهم، فى عام 2012، متربعاً فى قصر الرئاسة ذاته.. وهى بالمناسبة مسألة حين يفكر فيها المرء الآن لا يكاد يصدق أنها حدثت ولعام كامل، وإذا حدث وصدق أى منا أنها حدثت، فسوف يحار فى فهم الكيفية التى حدثت بها، وسوف لا يستوعبها بأى صورة!
أبصم بالعشرة لأننا بالمناسبة أيضاً لم نكن نرفض وقتها ولا الآن وجود الإخوان فى المجتمع، بشرط أن يكون وجودهم كمواطنين، شأنهم شأن أى مواطن آخر، له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات، وفى ظل دستور لا يجوز انتهاكه، وقانون لا يجوز كذلك الدوران حوله.. إننا كنا ولانزال نرفض أن يوظف أحد سواء كان هو الإخوان أو غيرهم ديننا، فى سبيل الوصول إلى السلطة، أو إلى أى أهداف دنيوية أخرى رخيصة، وكنا ولانزال نرفض، بكل قوة، أن يتحول ديننا العظيم، بمقاصده العليا السامية إلى مجرد أداة فى أيدى مجموعة انتهازية، لا يهمها الدين فى شىء، كدين، وإنما يهمها بقدر ما يصل بها إلى أغراضها وهى بكل أسف أغراض تهيل، بطبيعتها، التراب على الدين كله، وتلحق به أبلغ الأذى، كما تابعنا جميعاً، ولا نزال، منذ أن كان الإخوان فى الحكم، وإلى أن سقطوا، ثم امتداداً إلى اللحظة الراهنة!
أبصم بالعشرة وراء الرئيس فيما قاله فى هذه النقطة تحديداً، وراح يكرره، لأن أى واحد فينا يرفض بالقطع أن يتحول دينه إلى سلعة تباع وتشترى فى أسواق السياسة، وبانتهازية قبيحة لا مثيل لها!
أبصم بالعشرة لأن تلك الانتهازية وصلت فى مرحلة من المراحل إلى حد أن مرشد الجماعة الإخوانية الأسبق، مهدى عاكف، لم يجد أدنى حرج فى أن يقول على الملأ إنهم فى «الجماعة» لا مانع عندهم من أن يصبح جمال مبارك رئيساً بعد والده.. وقد كان الإعلان عن ذلك منهم له ثمن بالطبع، ولم يكن الثمن سوى المزيد من المواءمات مع الحكومة، وسوى المزيد من الترخّص بالدين فى أسواق السياسة!
أبصم بالعشرة على هذا كله، وغيره مما يشبهه، بامتداد 30 سنة، ثم أستدرك لأتوقف لحظة.. لحظة واحدة فقط.. أنبه فيها سيادة الرئيس إلى أن المواءمات نفسها قائمة الآن، ولكنها انتقلت من المواءمة مع الإخوان إلى المواءمة مع السلفيين!.. وإلا.. فإننى أرجوك يا سيادة الرئيس أن تسمى لنا معنى ما يحدث من جانب الحكومة إزاء السلفيين منذ 30 يونيو إلى اليوم!
أرجوك يا سيادة الرئيس.. أعطنا اسماً لما يحدث من 30 يونيو، إلى هذه اللحظة، من جانب الحكومة مع التيار السلفى.. أرجوك!