سليمان جودة
لو أن الله تعالى بعث يعقوب أبوحصيرة، هذه الأيام، ثم سألناه: ما رأيك فيما ترتكبه إسرائيل فى حق كل فلسطينى؟ فسوف لا يجيب، ليس لأنه سيكون بلا رأى فى الموضوع، ولا لأنه سيكون مع إسرائيل فيما ترتكبه لا سمح الله، وإنما لأنه سوف يكون فى حاجة إلى أن نشرح له، ما هى إسرائيل أصلاً!
أبوحصيرة، كما يعرف أغلبنا، هو حاخام يهودى من أصل مغربى، وقد جاء إلينا، ومات على أرضنا، وأقيم له ضريح فى محافظة البحيرة، قبل أن يكون فى الوجود دولة اسمها إسرائيل من أساسه، ولذلك، فلا علاقة له بها، من قريب ولا من بعيد!
وإذا كان كثيرون بيننا يضايقهم شكل الاحتفال الذى يجرى بذكراه حول ضريحه، فى كل عام، ولا تعجبهم طقوس الاحتفال، ويرونها غريبة علينا، وضد عاداتنا وتقاليدنا، فالحل أن ننظم نحن هذا الاحتفال، وأن نرسم الطريقة التى يجب أن يقام بها كما نحب، لأنه يقام على أرضنا، وليس الحل أبداً فى إلغاء الاحتفال، فضلاً بالطبع عن شطب الضريح من قائمة الآثار اليهودية فى بلدنا.. لا.. ليس هذا حلاً بأى مقياس!
ليس حلاً لأننا كذلك لابد أن نفرق جيداً بين الإنسان اليهودى، صاحب الديانة السماوية، والإنسان الإسرائيلى، صاحب العقيدة السياسية التى تقر احتلال أرض فلسطين، وتقر طرد أهلها منها.. فمشكلتنا هى مع هذا الإنسان الأخير، ومع عقيدته السياسية، ومع إصراره على اغتصاب أرض هى ليست له بأى معيار، ونحن ضد هذا كله على طول الخط، إلى أن يكون لأبناء فلسطين جميعاً دولة على أرض هى أرضهم، وأرض آبائهم، وأجدادهم.
أما اليهود الذين هم ليسوا إسرائيليين، وليسوا صهاينة، فلا مشكلة لنا معهم، لأنهم هم أنفسهم ضد إسرائيل، وضد ممارساتها فى الأرض المحتلة، وضد عدوانها الدائم على كل ما هو فلسطينى، ومن المهم هنا، أن يفهم اليهود من هذا النوع، أننا نفرق بوعى بينهم وبين غيرهم، بل أننا نقدر موقفهم، ونحرص على أن نكسبهم إلى جوارنا دائماً، لا أن ندفعهم، بخطوات وإجراءات غير محسوبة منا، إلى أن ينضموا للطرف الآخر!
الفارق بين اليهودى العادى الذى لا علاقة له بإسرائيل، واليهودى الصهيونى، هو تماماً كالفارق بين المسلم المعتدل، الذى يمارس شعائر دينه فى سلام، ويرجو الخير للجميع، والمسلم المنضم لتنظيم «القاعدة» أو تنظيم «داعش» أو أى كيان من هذه التنظيمات المتطرفة التعيسة.
إننا، طول الوقت، نطلب من العالم، ألا يحسب هؤلاء المتطرفين المتخلفين على الإسلام، لأن ديننا أبعد ما يكون فى حقيقته عنهم، ولأن ديننا لا يقر أياً من سلوكياتهم، أو تصرفاتهم الحمقاء، ولأن ديننا يظل بريئاً منهم، ومن غبائهم فى كل وقت.
نطلب هذا من العالم، فى كل لحظة، ثم نأتى فى الوقت نفسه، لنخلط بين رجل دين يهودى اسمه يعقوب أبوحصيرة، عاش ومات قبل وجود إسرائيل، وبينها هى نفسها.. بل نخلط بين كل الذين يشبهونه من اليهود الأحياء فى أركان العالم، ويهود صهاينة يعيشون على أرض فلسطين، ويصممون على اغتصابها من أهلها الأصلاء، فى كل صباح!
لا أعرف ما الذى سوف يقوله عنا أى يهودى محب للسلام فى أى بلد فى العالم، حين يقرأ أننا ألغينا احتفال مولد أبوحصيرة السنوى، وشطبنا الضريح من قائمة الآثار اليهودية عندنا، ليس لأن صاحبه إسرائيلى، ولا لأنه صهيونى، وإنما لأنه يهودى وفقط.. لا أعرف.. وإن كنت أظن أنه سوف يتساءل بينه وبين نفسه عما إذا كان هناك فارق بيننا، فى إجراء كهذا، وبين المنتظمين فى داعش، وفى غيرها من جماعات الظلام!
أبوحصيرة عاش ومات يهودياً، وفقط، فلا تجعلوه صهيونياً فى مماته!