سليمان جودة
حين كنت أفتش، صباح أمس، عن سبب منطقى يساعدنا على فهم الارتفاع المفاجئ للأسعار، دون أى مقدمات، قرأت للدكتور خالد حنفى، وزير التموين، أن وزارته تعاقدت على كميات إضافية من المنتجات لطرحها فى الأسواق،
شعرت عندئذ بالارتياح، لأن الوزير المسؤول فى الحكومة يسعى من تلقاء نفسه، وبحكم مسؤوليته، إلى حل أزمة تواجه عموم الناس!
ولكن الله تعالى لم يشأ لارتياحى أن يدوم، لأن العبارة التالية فى تصريحات الدكتور حنفى كانت هكذا: بعد توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة حل الأزمة خلال أيام!
طويت الصحيفة حزيناً، وذهبت أفتش فى صحيفة أخرى عن آخر أخبار استقالات الطيارين المصريين، ففاجأنى بيان عنهم، فى الصفحة الأولى من الأهرام، يقول إنهم قد سحبوا جميع استقالاتهم، وإنهم فعلوا ذلك (إيماء واستجابة لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية)!
طويت الأهرام بدورها، وقد تضاعف حزنى، وحدثتنى نفسى بأن أبحث فى أى صحيفة عن آخر أخبار مشروع المليون فدان، الذى من المفترض أن وزارة الزراعة تعمل عليه منذ فترة، وتحديداً منذ جاء الرئيس إلى الحكم، قبل ما يقرب من عام، فإذا بالخبر المنشور عن المشروع يبعث على الحزن مرتين: مرة لأن ثلاثة من خبرائه قد لقوا مصرعهم فى منطقة الفرافرة بالوادى الجديد، ونعاهم الوزير صلاح هلال، معرباً عن حزنه الشديد.. ثم مرة ثانية، وهى فى صلب موضوعنا، لأننى قرأت على لسان الوزير هلال الآتى: جميع التشريعات والقوانين التى أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، حول التعاونيات والتأمين الصحى على الفلاح، والزراعة التعاقدية وخلافه، تهدف إلى التيسير على الفلاحين، ورفع مستوى معيشتهم، وضمان وضع آمن لهم!
لم يختلف الحال، كما ترى، فى الزراعة، عنه فى الطيران، عنه فى التموين!
وقررت أن أجرب حظى للمرة الأخيرة مع موضوع العاصمة الإدارية الجديدة، ممنياً نفسى بأن أجد فيها الجديد، أو بمعنى آخر، أجد فيها أحداً من مسؤولينا يتحرك وحده، ودون توجيهات من الرئيس.
وكان أن قرأت فى الصفحة الأولى من «المصرى اليوم» ما يلى: وعلمت «المصرى اليوم» أن المسودة النهائية لعقود مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص المتعلقة بالعاصمة الإدارية الجديدة بطريق مصر- السويس لتفعيل مذكرات التفاهم التى تم الاتفاق والتعاقد عليها، خلال مؤتمر شرم الاقتصادى، لاتزال تحت المراجعة، وأن توقيعها بشكل نهائى- وهذا هو موضوعنا- سيكون تحت إشراف مؤسسة الرئاسة!
وهكذا.. من التموين، إلى الطيران، إلى الزراعة، إلى العاصمة الجديدة: الرئاسة والرئيس، ولا شىء غير الرئاسة والرئيس!
رجائى ألا أكون قد ضاعفت من اكتئابك مما وممن حولك، فلم أفعل سوى أن صارحتك بالحقيقة العارية حولنا، ولم أفعل سوى أن وضعتها مجسمة فى أربعة مشاهد أمامك.. فأول طريق الإصلاح هو المصارحة، ولا شىء غيرها!
تسألنى فأقول إنه لن يتغير شىء فى حياتنا.. أى شىء.. إلا إذا عمل المسؤولون فى المواقع الأربعة التى أحصيتها، وفى غيرها، بتوجيه من ضمائرهم، وليس من الرئاسة، ولا الرئيس!