سليمان جودة
من ناحيتى، فإننى أضحك كثيراً، عندما يقال لنا إن تنظيم داعش الإرهابى هو الذي قام بتفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، أمس الأول، بمثل ما كان قد قام بعملية مماثلة في شرق السعودية، قبل أسابيع، أو هكذا يراد منا أن نصدق!
أضحك من شدة الدهشة طبعاً، وليس بدافع السرور، بأى حال.. ولابد أن الدهشة الشديدة هنا مرجعها إلى أننى أرى أن الذين يريدون منا أن نصدق أن هذا التنظيم الإرهابى قد فعل ذلك بتفكير ذاتى منه إنما يفترضون فينا سذاجة مطلقة!
أضحك وجعاً وألماً، وأريد أن نظل نسأل أنفسنا طول الوقت السؤال الآتى: من وراء داعش؟!
أي داعش هذا، الذي يروّع سوريا والعراق معاً في وقت واحد، ثم يفكر في ترويع السعودية، ومن ورائها الكويت، وصولاً إلى كل دولة عربية من وراء الدول الأربع إن استطاع؟!.. أي داعش هذا بالضبط؟! ومن أنشأه، ومن يمده بالسلاح، ومن ينفخ فيه الحياة كلما انطفأ وتوارى؟!
نقطة البدء أن نعرف، بوضوح، أين كان أبوبكر البغدادى، الذي يوصف بأنه زعيم هذا التنظيم.. أين كان، قبل أن يظهر في الصورة، وما علاقته بالأمريكان على وجه التحديد؟!
لا تصدقوا، من فضلكم، أن داعش هذا يستطيع أن يحيا يوماً واحداً، دون دعم ممن يدعمونه، فهو «مستطيع بغيره»، كما يقال دوماً عن الأعمى الذي يقوده مبصر!
ولذلك، فيقينى، الذي لا يتزحزح من مكانه بوصة واحدة، أنه لا نجاة لنا، في مصر، أو السعودية، أو في الكويت، أو في تونس، أو في أي بلد عربى آخر، من هذه الفتنة، إلا إذا كان وعى المواطن نفسه على مستوى اللحظة!
وسوف يكون وعى المواطن في الكويت، على سبيل المثال، على مستوى لحظته، حين يدرك أن عملية ضرب مسجد الإمام الصادق لا يراد بها، كما قد يظن بعض الكويتيين لأول وهلة، الوقوف إلى جانب فئة في الكويت، ضد فئة أخرى.. لا.. فالهدف هو ضرب الكويت كبلد، وليس المسجد، الذي كان هدفاً للتفجير، سوى صورة للكويت كلها، وإذا كان العنف قد استهدف مسجد الإمام الصادق، على وجه التحديد، فإن علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا هذا المسجد دون غيره، وفى الكويت آلاف، بل عشرات الآلاف من المساجد؟!.. لماذا وقع الاختيار على هذا المسجد دون سواه؟!.. المطلوب هنا من المواطن الشيعى في الكويت أن يرتفع إلى مستوى لحظته، وأن يكون على يقين من أن الذين ضربوا المسجد لا يقفون إلى جواره، كمواطن شيعى، كما قد يظن هو، ولا إلى جوار المواطن السنى في المقابل، وإنما يستهدفون البلد كله، وسوف يفوت هو عليهم هذه الفرصة، إذا آمن، كمواطن، عن يقين راسخ بأن الكويت هي الأبقى له، من أي شىء آخر، وأنها وطنه، وأن الوطن لا يجوز أن يكون موضع مساومة ولا فصال.
يا أي كويتى.. يا أي تونسى.. يا أي عربى: داعش هذا مجرد أداة يحركها آخرون، من وراء ستار، ويمدون إليها كل أسباب الحياة، وسوف يتبدد ويختفى بكل أفراده في اللحظة التي تكتشف فيها اليد التي تحركه أن وعى المواطن العربى عموماً، في الكويت، وفى تونس، وفى غيرهما، يستعصى على أي استهداف، وأن هذا المواطن يتمتع بنوع من الوعى يؤهله ليس فقط لرؤية ملامح الصورة أمامه، ولكن يؤهله لرؤية ما هو أهم.. يؤهله لرؤية معالم ما وراء الصورة بكل وضوح!