سليمان جودة
أين عقل الدولة؟!
عندى عدة أسئلة حائرة، لا أملك لها جواباً، وقد حاولت من جانبى دون جدوى، وأتمنى ممن يملك هذا الجواب أن يدلنى عليه، وسوف أكون ممتناً له ابتداءً!
السؤال الأول: من أين سوف تأتى محطات التليفزيون المختلفة بمشاهدين، للفرجة على كل هذه المسلسلات التى يجرى الإعلان عنها هذه الأيام، استعداداً لعرضها على شاشة رمضان.. من أين؟!.. وهل ننوى اقتراض مشاهدين من الدول المجاورة مثلاً؟!
السؤال الثانى: إذا افترضنا وجود مشاهدين فعلاً، فمن أين سوف يأتى المشاهدون أنفسهم بالوقت الذى يسمح لهم برؤية هذا العدد الهائل من المسلسلات؟!.. اللهم إلا إذا قرر المصريون، خلال شهر الصيام، الحصول على إجازة تفرغ كاملة، من أجل متابعة كل مسلسل فى قناته!.. إننى أشك أن يستطيع أى إنسان أن يلم بنصف أو حتى ربع المسلسلات المعروضة، بافتراض جلوسه فى بيته 24 ساعة، لا يقوم خلالها من أمام شاشة إلا ليستقر أمام شاشة أخرى!
السؤال الثالث: هل هذا هو كل ما يعنيه رمضان بالنسبة لنا؟!.. وهل أصبح رمضان شهراً ليس مطلوباً فيه من الصائم إلا أن يصاب بالتخمة من شيئين لا ثالث لهما: الطعام والمسلسلات؟!
السؤال الرابع: كيف لم تدرك القنوات، على اختلافها، ومن ورائها المنتجون لهذه الأعمال الفنية، أن الأمر أصبح أقرب إلى وضع عشرين طبقاً من أشهى أنواع الطعام أمام إنسان واحد، على مائدة واحدة، وفى توقيت واحد، فتكون النتيجة أن يصاب قطعاً بنوع من «صد النفس»، وينصرف عنها كلها، فلا يتناول منها شيئاً، وإذا حدث وتناولها كلها أو بعضها، فإنه لن يستطعمها، ولن يجد لها مذاقاً فى فمه!
السؤال الخامس: كيف يسمع الناس، كل يوم، عن أزمة مالية طاحنة، تضرب القنوات، ثم يرون العكس، من خلال عدد الأعمال الفنية المعروضة عليها، ومن خلال أجور نجومها التى لا تدخل العقل؟!.. كيف وما الذى نتوقعه من مشاهدين يسمعون عن شىء، ثم يرى كل واحد منهم عكسه تماماً، فى اللحظة نفسها؟!
السؤال السادس: كيف تسمح الدولة لنفسها بأن تكون مشاركة فى هذا العبث، حين نقرأ، صباح أمس، عن أن العمل فى البنوك، على سبيل المثال، سوف يكون 4 ساعات فقط طوال الشهر، وهو ما يعنى أنه سوف يكون أقل من ذلك بكثير، لأن الدولة التى حددت التاسعة والنصف صباحاً، لبدء الساعات الأربع، تعرف تماماً أن العمل الحقيقى لن يبدأ فى هذه الساعة، وأنه سوف ينتهى قبل الواحدة والنصف بكثير أيضاً!
كيف تكون الدولة مشاركة فى دفع الناس إلى الكسل ، والنوم، والبلاهة، والبلادة، إلى هذا الحد؟!.. كيف لم يدرك العقل الذى يفكر لهذه الدولة أن هذه دولة تمر بظرف استثنائى حقاً، وأنها دولة لا يجوز أن يضيع منها خلاله يوم واحد، بل ساعة واحدة، دون عمل جاد بكل معنى الجدية، على كل مستوى، فضلاً عن ضياع شهر بكامله فى هذا الاستسلام المحزن للشاشات؟!
أين عقل الدولة؟!