سليمان جودة
سألنى الصديق العزيز الذى يشاركنى هم القضية نفسها: أين الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم؟!
ولأول وهلة، فإننى هممت بأن أجيب على طريقة محررى أبواب البريد فى المجلات الفنية زمان، عندما كان أحدهم يتلقى سؤالاً من معجبى الفنانين الكبار عن دواعى غيابهم، فكان يجيب بطريقة ساخرة بقدر ما هى موجعة!
كان المعجبون يفتقدون فريد شوقى - مثلاً - فيتساءلون فى رسائلهم لمجلات الفن: أين وحش الشاشة؟!.. ولا يكون من محرر البريد إلا أن يجيب: فى بيته!
وبالطبع، فالمعجبون لم يكونوا يتساءلون عن وجوده المادى أو الجسدى، وإنما كانوا يتساءلون عن وجوده المعنوى، وعن حضوره وعن تأثيره، وعن تواجده فى ساحته التى هى ملعبه، وعن.. وعن.. وبالإجمال كانوا يتساءلون عن غياب الفعل، لا الجسد!
شىء من هذا، أراده الصديق العزيز، وهو يسألنى، ولم أفطن إلى حقيقة ما يسأل عنه، منذ اللحظة الأولى، إلى أن نبهنى هو: أين الرجل من قضية أرض مطار إمبابة، التى من المفترض أن تكون هماً من همومه، بالليل والنهار، وأن يتبناها معنا، وأن يدافع عما انقطعت أصواتنا من أجله، وهو تحويلها كلها، لا بعضها أبداً، إلى حديقة عامة مفتوحة الأفق، ومزروعة بالمدارس، ومن حولها الملاعب والأشجار.. أين الرجل؟!
والحقيقة أن السؤال فاجأنى تماماً، ولم أعرف إلى الآن، كيف فاتنى منذ أن تبنيت القضية فى هذا المكان، طويلاً ومراراً، أن أسأل عن موقع الدكتور أبوالنصر منها، وعما يكون قد قاله عنها فى اجتماعات مجلس الوزراء؟!
فالدكتور أبوالنصر لابد أنه يعرف أنه يجلس على كرسى طه حسين، ويعرف أن عميد الأدب العربى كان يحمل هم التعليم للجميع، فى منامه، وفى يقظته، وكان لا يتعب من ترديد عبارته الشهيرة بأن التعليم كالماء والهواء بالنسبة لكل مواطن، وكان المعنى أنه لا غنى عنه أبداً، لكل مصرى، وأنه إذا جاز لواحد منا أن يستغنى عن الماء، أو عن الهواء جاز له أن يستغنى عن التعليم. قطعاً يعرف وزير تعليمنا ماذا فعل طه حسين، من أجل أن يكون التعليم هواء وماء فى كل بيت، لكننا لا نريد من وزيرنا أن يعرف وفقط، وإنما نريد أن نرى أثر مثل هذه المعرفة على الأرض، بشكل عام، ثم فى موضوع أرض مطار إمبابة، بشكل خاص.
لقد جلس الوزير مع الرئيس، مؤخراً، لخمس ساعات متصلة يعرض عليه أوجاع تعليمنا، وهمومه، وملامح مستقبله على يديه، وكم تمنيت لو أن الوزير قد انتزع من الرئيس، يومها، موافقته على أن تكون أرض المطار، كاملة غير منقوصة، لوزارته وحدها، لا تنازعها فيها أى وزارة أخرى، ولا ينازعه فيها أى محافظ آخر.. تمنيت لو انتزع الوزير أبوالنصر من الرئيس هذه الموافقة، فيقال فى تاريخهما، فيما بعد، إن مصر عرفت رجلين، أحدهما هو الرئيس السيسى، والآخر هو الوزير أبوالنصر، وإنهما معاً لم يبخلا على تلاميذ وطلاب مناطق وسط البلد والدقى والمهندسين بـ215 فداناً، هى مساحة الأرض، وإنهما خصصاها كلها، لا بعضها، لتكون متنفساً يجد فيها كل طالب من طلاب هذه المناطق ما هو محروم منه كلياً الآن!
تمنيت هذا، وأظن أن الدكتور يستطيع أن ينتزع هذه الموافقة من الرئيس، لو أراد، وأن ينهى هذا العبث الذى يتجه لزرع المساحة بالمولات!!