سليمان جودة
إذا كنت أنت، كمصرى محب لبلده، قد انزعجت بشدة، بسبب سلوك غير طبيعى للحكومة البريطانية، إزاء الرئيس السيسى فى أثناء وجوده على أرضها، فلن تنزعج أبداً، لو تأملت المسألة على بعضها فى هدوء!
فالخارجية البريطانية قررت، فى أثناء وجود الرئيس، تعليق رحلات طيرانها إلى شرم.. وكانت أصول اللياقة كلها تقول، بأن قراراً كهذا، لا يليق أن يصدر، فى أثناء وجود رئيسنا هناك!
ثم إن الحكومة ذاتها راحت فى الأثناء نفسها، تسرب كلاماً، عن أن الطائرة الروسية التى سقطت فوق سيناء، الأسبوع الماضى، ربما تكون قد سقطت بصاروخ!.. وهو كلام لا يقوم عليه أى دليل!
وفيما يخص الطائرة، فإن الرئيس الروسى بوتين، قد بادر بالاتصال برئيس الحكومة البريطانية متسائلاً فى غضب، عن الشىء الذى يعطى ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة فى لندن، أى حق فى أن يتكلم فى مسألة كهذه ليست من شأنه.. فالطائرة التى سقطت، طائرة روسية، لا بريطانية، واللجنة التى تشكلت لتقول الكلمة الأولى والأخيرة فى الحادث، تضم ألمانيا، وفرنسا وأيرلندا إلى جانب مصر وروسيا بالطبع، وبالتالى فهذه الدول الخمس هى وحدها التى تملك الكلام فى الموضوع، وإذا تكلمت فليس الآن، وإنما بعد انتهاء اللجنة من عملها.. بعد وليس قبل.. ومع ذلك فإن الخواجة كاميرون لم يهتم بهذا كله، وراح يشوش على القضية كلها!
أما حكاية صدور قرار تعليق رحلات شرم، فى أثناء وجود الرئيس، فهى مقصودة، وليست تلقائية!
هى مقصودة لأن وراءها فى ظنى ثلاثة أسباب أولها سبب عام، وهو أن شعب مصر لايزال يدفع ثمن فرض إرادته فى 30 يونيو 2013، وهذا ما يجب أن يكون راسخاً فى عقل كل مصرى مخلص لهذا الوطن، إذ لا يجوز أبداً أن ننسى أن بريطانيا كانت هى فى عام 1928 وراء نشأة جماعة الإخوان، لتظل شوكة فى حلق الحركة الوطنية، وفى خصر البلد.. فكيف تنسى لندن هذا، حتى ولو كان الرئيس عندهم، وبدعوة منهم.. كيف؟!
والسبب الثانى، أنك كبلد، تدفع ثمن انفتاحك على روسيا، رغم أنك تؤكد عن حق، فى كل مناسبة، أن انفتاحاً من هذا النوع ليس على حساب علاقاتك بأحد، وخصوصاً الدول الكبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكننا لا يجب أن ننسى، أن هذه الدول لا تغفر، ولا تنسى!
والسبب الثالث، أنك تدفع أيضاً ثمن تأييدك لعمليات الروس ضد الإرهاب فى سوريا.. إذ من السذاجة أن نتصور أن الولايات المتحدة، أو حليفتها بريطانيا، يهمهما القضاء على الإرهاب هناك.. ساذج جداً كل شخص يتصور هذا.. فالإرهاب صناعتهما فى الأساس، والذى يصنع الإرهاب لا يمكن أن يكون هو الذى سوف يقضى عليه.. لا يمكن.
بقى أن أقول إن الهدف كان هو إحراج الرئيس، وإن الرئيس الذى يؤيده شعبه لا يمكن إحراجه، حتى ولو كان الكيد له فى لندن، أو فى غير لندن، أضعاف هذا مرات، بشرط أن يجيد الرئيس «توظيف» تأييد الشعب له، وهو ما لم يحدث بما يكفى حتى الآن، وبكل أسف.. إن الرئيس لديه رصيد هائل عندنا، ولكنه لأسباب ليست مفهومة، يبدده!.. وأرجوه أن يتدارك الأمر بسرعة، ودون أى إبطاء، إذ لا وقت لدينا، ولا عنده، نضيعه!