سليمان جودة
قبل أن أذهب إلى تونس، الأسبوع الماضى، كنت قد توقفت عند شيئين، أولهما تصريح للرئيس التونسى الباجى قائد السبسى عن «حركة النهضة» فى بلاده، وثانيهما كلام للحركة ذاتها عن نفسها!
أما حركة النهضة، فيمكن وصفها بأنها تمثل إخوان تونس، مع وجود فوارق بالطبع، بينها هناك وبين «الإخوان» هنا.. ويمكن إيجاز الفوارق كلها فى أن إخوان تونس لهم عقل، وأن الإخوان عندنا بلا عقل، كما سوف نرى حالاً.
فالرئيس التونسى قال فى تصريحه إن حركة النهضة أصبحت تعتمد على الإسلام التونسى المعتدل وتخلت عن الإسلام السياسى، وأن تجربة الحكم الحالية التى يأتلف فيها حزب نداء تونس، برئاسة السبسى نفسه وبين حركة النهضة «إيجابية» وتتحسن.
ولابد أن أى متابع للأمور فى تونس سوف يلاحظ أن كلام الرئيس التونسى صحيح إلى حد كبير، وأن «النهضة» عندهم توقفت عن التفكير فى الحكم، باعتباره غاية فى حد ذاته، وصارت تراه وسيلة لتحقيق مصالح الناس على الأرض، وهى فى هذه المسألة تقترب من أسلوب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى المغرب.. فهو حزب يصف نفسه دائماً بأنه يقوم على مرجعية إسلامية، وأنه ليس حزباً إسلامياً، وأنه جاء إلى السلطة من أجل حل مشاكل الناس، وليس من أجل فرض رؤيته للإسلام عليهم.
وفى مقابل كلام رئيس تونس، عن حركة النهضة، كانت الحركة تقول فى الوقت ذاته، إنها تجهز لمؤتمرها العام العاشر فى إبريل المقبل، وإن المؤتمر سوف يكون فرصة تراجع فيها أفكارها، فى هدوء، وإنها خلاله سوف تعيد النظر فى مسيرتها أثناء السنوات القليلة الماضية داخل الحكم وخارجه، وتحديداً منذ قامت الثورة على زين العابدين بن على، فى يناير ٢٠١١، وأن كل شىء سوف يكون محل مراجعة فى المؤتمر، بما فى ذلك اسم الحركة ذاته، الذى من الوارد أن يتغير!
أنت إذن، أمام حركة إسلامية مفتوحة العقل والقلب، وتريد أن تعيش فى القرن الحادى والعشرين، وما بعده، لا أن تسجن الناس معها فى تصورات وأفكار قرون مضت.. وهو ما لا يريد إخوان مصر أن يفهموه أو يستوعبوه حتى هذه اللحظة.. إن «النهضة» كانت فى الحكم قبل مجىء الرئيس قائد السبسى، وعندما أحست بأن الرأى العام فى بلدها لا يبتلع فى غالبيته وجودها فى الحكم، وأن مشاكل البلد أكبر من قدراتها، ومن إمكاناتها، غادرت مقاعد السلطة على الفور، ولم تناقش، لأن الحكم عندها ليس غاية، ولكنه وسيلة لغايات.
تسألنى عن أسباب هذا الفارق الجذرى بين إخوانهم وإخواننا، فأقول إنه التعليم بالأساس، الذى كان متطوراً لديهم، ولايزال، بما أدى إلى إنتاج أجيال من التوانسة، تعرف حركة النهضة أنها لا تستطيع خداعهم، ثم كان وجود قيادات الحركة فى أوروبا لسنوات سبباً آخر، جعلهم يرون أن الدنيا أرحب من السجن الذى حبس الإخوان أنفسهم فيه.. سجن الأفكار، قبل سجن الأبدان!