سليمان جودة
لابد أن اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية الجديد، قد توقف أمام ما كشفت عنه تحقيقات النيابة، فى حادث احتراق قاعة المؤتمرات فى مدينة نصر، بمثل ما توقف أمامه كل متابع لتحقيقات الحادث، وهو مصدوم!
فالتحقيقات قالت إنه قد تبين أن القاعة لم تكن مزودة بكاميرات مراقبة فى داخلها، ولا فى خارجها، وإنها كانت تخلو حتى من أى جهاز إنذار أتوماتيكى خاص بالحريق، وإن أجهزة الإنذار فيها كانت من النوع العادى، رغم أنها لم تكن قاعة عادية بالمرة!
اكتشاف كهذا، على يد النيابة، يشير للوزير الجديد، ثم لنا، إلى حجم التحديات أمامه، وكيف أنه لا أمن سوف يتحقق، بمعناه الحقيقى، ما لم تكن هذه الأدوات الأمنية الحديثة، المتمثلة فى الكاميرات تحديداً، محيطة بكل منشأة مهمة فى البلد، وموجودة فى داخلها، وفى أماكنها.
فهذه الأدوات وحدها هى التى مكنت سلطات الأمن فى أبوظبى- مثلاً- من إلقاء القبض على قاتلة المعلمة الأمريكية، بعد قتلها بساعات، رغم أن القاتلة كانت منتقبة، ورغم أن أى ملمح من وجهها لم يكن يبدو بوضوح، ومع ذلك أتوا بها، وبسرعة أدهشت الذين تابعوا القضية قبل نحو شهرين من الآن!
ثم إن هذه الكاميرات نفسها، وفى أحدث طبعة منها، هى أيضاً التى مكنت سلطات الأمن فى البحرين، قبل عامين، من القبض على أفراد عصابة كانت قد نهبت محلاً للمجوهرات هناك!
وكان أفراد العصابة، يومها، قد ارتدوا النقاب، ثم دفعوا أمامهم، وهم فى طريقهم لتنفيذ الجريمة، عربات أطفال على سبيل التمويه، إلا أن هذا كله لم ينفع معهم وسقطوا جميعاً بعد أن كانوا قد فروا خارج البلاد، بل إن أحدهم سقط فى ألبانيا!
وإذا كان الوزير عبدالغفار سوف يواجه صعوبة فى الإمكانات المادية التى تسعفه فى هذا الطريق، فأرجوه أن يطلب تجربة المملكة العربية السعودية، فى هذا الطريق، وسوف يجد فيها ما يفيده، ويفيد وزارته.
فالمملكة جاءت بشركة يملكها صاحب أعمال معروف، وطلبت منه أن يوفر أحدث الكاميرات لإشارات المرور، فى مقابل أن تحصل شركته على نسبة من قيمة المخالفات، ولفترة محددة جرى الاتفاق عليها، وهو ما تم فعلاً، وأصبح أى زائر للمملكة تدهشه تلك القدرة على تنظيم المرور، ويدهشه اختفاء فوضاه التى نعانيها عندنا، لا لشىء، إلا لأن أى سائق هناك يعرف مسبقاً أنه مراقب من كل الزوايا، وأن أى مخالفة منه سوف يتم تصويرها فى لحظتها، وأن تحصيل قيمتها سوف يتم بحزم دون وساطة، ودون أشياء من التى نعرفها لدينا، وأن.. وأن.. إلى آخر ما جعل المرور لديهم على الشكل الذى يراه كل زائرى السعودية!
الوزير عبدالغفار تقع عليه آمال عريضة، فالمواطن يريد أن يتحول الأمن فى حياته إلى إحساس عام وإلى شعور مترسخ فى داخله، قبل أن يكون أى شىء آخر، ولابد أن الحكاية ليست اختراعاً، لأن غيرنا حققها حولنا وبسهولة تدعو للإعجاب حقاًّ.
الأمن، كإحساس، خطوة أولى، وكل ما عداه يأتى بعده، ونراهن على الوزير عبدالغفار فى أن يحوله إلى هواء يتنفسه الناس!