سليمان جودة
حالة الحداد التى أعلنتها الدولة، لثلاثة أيام، حزناً على جنودنا الثلاثة والعشرين، الذين سقطوا مساء أمس الأول، فى الوادى الجديد، لن تعيدهم إلى الحياة، ولو دامت شهراً، ولذلك، فإن أهم ما فى هذه الحالة من الحداد أنها تعيد تذكيرنا جميعاً، إذا كنا نسينا، بأن أرواح جنودنا الأبرياء، إنما هى جزء من ثمن ندفعه!
ثمن دفعناه منذ سقوط الإخوان فى 30 يونيو 2013، وثمن ندفعه اليوم، وثمن سوف ندفعه غداً، لأن البلد قد جاء عليه يوم، هو 30 يونيو، فقرر فيه أن ينتفض ليتخلص من حكم جماعة كانت تذهب بالوطن، الذى لا تدرك معناه ولا قيمته، إلى مصائر محزنة لشعوب بكاملها، نراها من حولنا!
أعرف بالطبع أن هناك مَنْ سوف يرد فى هذه اللحظة، ويقول إن التحقيقات فى الحادث الكارثى لم يتم استكمالها بعد، وإننا بالتالى لا نستطيع أن نلقى بالمسؤولية عما جرى على الجماعة الإخوانية، ولا على غيرها.. فهذا اتهام سابق لأوانه!
وسوف أرد لأقول، إن هذا قد يكون صحيحاً من حيث الشكل والظاهر، وإننا إذا ما تجاوزنا السطح إلى المضمون، فسوف نكتشف أن أرواح الجنود الثلاثة والعشرين معلقة فى رقبة كل إخوانى يؤمن بالعنف، أو يحرض عليه.
وسوف نكتشف أن فى عالم الجريمة شيئاً اسمه الاشتراك فى ارتكابها، وتمهيد الطريق إليها، وتهيئة الأجواء لها، وبالتالى، فالمتهم فى أى جريمة، أو بمعنى أدق مرتكبها، ليس من الضرورى أن تكون يده هو على نحو مباشر هى التى تناولت البندقية، ثم ضغطت على زنادها فى اتجاه صدور كل جندى من الجنود الثلاثة والعشرين.. لا..فهذا تصور ساذج للإجرام، وللعنف، ولمرتكبيه، وللمحرضين عليه.
هو تصور ساذج، فى إطارنا هذا، لأن هناك دائماً المستفيد من وقوع الجريمة، وهناك الذى يهيئ الأجواء لها، ولا أظن أن الإخوان قد هيأوا الأجواء من حولنا لشىء، منذ 30 يونيو، إلا للعنف بكل أصنافه!
وفى كل مرة كانوا هم يسارعون، بعد كل حادث مفجع من هذا النوع، إلى القول بأنهم أبرياء منه، وأنهم لم يرتكبوه، وأن غيرهم يمارس العنف باسمهم، كنا نقول إن هذا لو كان صحيحاً، فإنه يقتضى على الفور أن يصدر عنهم بيان واضح لا يحتمل أى غموض، بأن الجماعة الإخوانية ترفض العنف، بكل أشكاله، وتتبرأ من مرتكبيه، على أى مستوى، ومن المحرضين عليه.. ولم يكن بيان كهذا يصدر أبداً، وإنما كنا، ولانزال، نسمع منهم كلاماً فارغاً لا رصيد له فى الواقع الحى.
وعندما تجتاز مصر هذه المرحلة الصعبة، فسوف يتبين لها أنها اجتازتها بثمن كبير، وأن الثمن مهما كان كبيراً، أو فادحاً، فإنه يهون إذا ما تخيلنا فى اللحظة الراهنة، كيف كان حال بلدنا سوف يكون، لو أن هذه الجماعة التى لا تؤمن ببلد، ولا بوطن، كانت لاتزال فى السلطة، أو أن رئيسها المعزول الذى ينفع بالكاد لإدارة محل بقالة، كان لايزال على الكرسى، فى دولة بحجم مصر!
ندفع الثمن، فى كل صباح، عن رضا، من أرواح جنودنا فى الجيش، أو فى الشرطة، ونعرف أنه لا بديل آخر كان أمامنا، حين اتضح لنا، على مدى ذلك العام التعيس من حكم الإخوان، أنهم قد ابتلعوا البلد، ثم حاولوا هضمه، لولا أنه كان فوق قدرتهم على الهضم بكثير!
وإذا كان لابد من درس لنا، فى حالة الحداد هذه، فهو أن ننتبه من خلالها بكامل قوانا ووعينا إلى أن المعركة ضد لصوص الأوطان لن يخوضها الجيش وحده، ولا الشرطة وحدها، وإنما سوف يخوضها الشعب كله، بكامل هيئته، متقدماً على الجيش والشرطة معاً، ونصيراً لهما فى كل أحواله، إذ لا خيار آخر أمامنا، فهذا هو طريقنا الذى علينا أن نقطعه إلى آخره.