سليمان جودة
لا أقصد حسن هيكل، ابن الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذى يعيش خارج البلاد منذ سنوات، ويخشى العودة لأن اسمه على قوائم ترقب الوصول.. لا أقصده بالأساس فى هذه السطور، وإن كنت بهذه المناسبة، أتساءل كما يتساءل كثيرون غيرى، عما إذا كان قد حضر جنازة أبيه، ثم عاد مرة أخرى إلى لندن، حيث يقيم!.. هل حدث هذا؟!.. وإذا كان قد حدث، فكيف؟ ومن سمح به؟!.. وإذا لم يكن قد حدث، فكيف لم يحاول «الأستاذ» حل هذه المشكلة فى حياته؟!.. وفى كل الأحوال، فإن «حسن» مدعو إلى أن يضع نفسه، أمام جهات التحقيق، واحتراماً لذكرى الوالد أولاً وإقراراً للعدالة، كقيمة فى البلد ثانياً.
ليس لواحد من أبناء «الأستاذ»، خصوصاً بعد رحيل الرجل، أن يقبل على نفسه أن يقال عنه إنه ابن «هيكل» الهارب من العدالة، ولو كنت مكانه لحضرت فى لحظتى، ثم قلت أمام الجهات المعنية إن وضعى القانونى هو كذا، وإنى أعرض حلاً له بالطريقة الفلانية، وإنى أريد أن أعيش على أرض بلدى، شأنى شأن أى مواطن غيرى!
على «حسن» أن يكون فى شجاعة أبيه، وأن يكون هو المبادر بالحضور ومواجهة الاتهامات الموجهة إليه، والدفاع عن نفسه بنفسه، ثم رد حق الدولة إليها، إذا كان فى الأمر حق من هذا النوع، لأن البقاء فى الخارج ليس حلاً، ولأن السؤال هو: إلى متى؟!
إننى لم أكن أريد الحديث عن حسن، منذ البداية، لأنى أردت أمراً آخر استوقفنى بشدة، حين طالعت العزاءات المنشورة لأبناء «الأستاذ» فى الصحف!
كانت العزاءات فى أغلبها موجهة إلى اثنين من الأبناء دون الثالث!.. أما الثالث، فهو «على»، الطبيب فى قصر العينى، وأما الاثنان، فهما أحمد، ثم حسن، اللذان يعملان فى (البيزنس).
فى غالبية العزاءات المنشورة، كانت المشاطرات تخص «أحمد» و«حسن» وكأن «على» ليس من أبناء الراحل الكبير!
إنها ليست المرة الأولى التى تتغلب فيها المصالح على المشاعر، فى مثل هذه المواقف، فلقد جرى ذلك من قبل مراراً، ولكنه هذه المرة لافت جداً، كما أنه يبعث على الحزن، بقدر ما يثير الأسى!
كنت ألمح مربعاً من مربعات العزاء الكبيرة التى تملأ نصف أو ربع صفحة، فى هذه الجريدة أو تلك، وكنت أطالع كلمات العزاء فى إمعان، فأكتشف غياب اسم «على» وحضور «حسن» و«أحمد» لمجرد أنهما من رجال المال، والأعمال، ولمجرد أن الثالث ليس من بين رجال المال والأعمال!
لقد غاب «حسن» عن مرض أبيه، فى أيامه الأخيرة، لأسباب كانت فى يده، وكان، ولايزال فى إمكانه أن يزيلها إذا أراد، ولكن غياب اسم «على» عن مشاطرات العزاء، كان، ولا يزال وثيق الصلة بمرض كامن فى أركان المجتمع.. مرض يعلى المصالح على المشاعر بلا خجل.. مرض يتشبث صاحبه ببريق الجنيه، حتى وهو فى غمرة طقوس الموت والرحيل!