سليمان جودة
لا أعرف ما الذى سوف يفعله الرئيس السيسى إذا ما عجز صندوق «تحيا مصر» عن جمع المبلغ المطلوب، والذى يصل سقفه، كما حدده الرجل، إلى مائة مليار جنيه؟!.. إننا جميعاً نتمنى أن يصل المبلغ إلى ضعف هذا الرقم، غير أن الرئيس يجب ألا ينسى، ويجب ألا ننسى نحن معه أن الصندوق اسمه صندوق «تبرعات» من جانب أصحاب الأعمال والقادرين عموماً فى البلد، وبما أن الحكاية «تبرعات» فإنها خاضعة فى النهاية لرغبة كل قادر!
والمعنى أن فلاناً من القادرين وأصحاب المال قد يتبرع بمبلغ كذا فنشكره، وقد لا يتبرع علان من القادرين أيضاً، فلا نستطيع ولا نملك، ولا يجب ألا نرغمه.. فالتبرع بطبيعته تطوع فى غاية المطاف، وإذا جاز لنا أن نستخدم لغة الشريعة فى الموضوع، قلنا إن القادر مادياً بيننا «مخير» فى الأمر، وليس مسيراً بأى مقياس، أى أنه من حقه أن يختار.
ولو شئت أن أصارح الرئيس أكثر لقلت إن صدى عبارة «هتدفعوا.. هتدفعوا» التى راح هو يوجهها للقادرين، فى خطابه الأخير أثناء تدشين مشروع محور القناة، كان من النوع الذى لا أظن أن الرئيس يريده ويحبه، وقد تأفف منها عدد من أصحاب الأعمال، ممن رأيتهم وسمعتهم، لكنهم، مع غيرهم طبعاً، استحوا، ولايزالون يستحون من إظهار تأففهم على الملأ، ولم يكن ذلك راجعاً إلى أنهم لا يحبون أن يتبرعوا، كما فهمت من بعضهم، وإنما التأفف من جانبهم راجع إلى أنهم، وعندهم حق، يرون أن هذه ليست لهجة يخاطبهم بها رئيس الدولة، ولم يتعودوا عليها منه، ولا توقعوها، وقد قال هو نفسه، من قبل، إنه لن يرغم أحداً على أن يتبرع، وإن الحكاية مرتبطة، فى إجمالها، بتقدير كل واحد على مستواه، ورؤيته لما يحتاجه بلده فى هذا الظرف الصعب!
وأظن أن المشكلة عند الدولة، فيما يخص هذا الموضوع، أنها لاتزال تخاطب القادرين فى المجتمع، على أنهم هم الخمسة أو العشرة أسماء المعروفة لنا فى دنيا المال والأعمال، وفقط.
ولابد أن هذا فى حد ذاته مشكلة، لأن قاعدة القادرين فى بلدنا، كما قلت فى هذا المكان من قبل، أوسع بكثير جداً من مجرد هذه الأسماء التى تتردد فى الإعلام كل يوم، وإذا كان المهندس نجيب ساويرس هو أعلى الذين تبرعوا للصندوق، من حيث حجم الرقم الذى تطوع به، ففى البلاد مائة ساويرس آخرون، وربما أكثر، ولكن الإعلام لا يسمع عنهم شيئاً، ولا يأتى لهم ذكر فى أى محفل!
ولذلك، فالمهم، الآن، أن تعرف الدولة بدقة مَنْ يملك ماذا.. وعندها يمكن لها أن تطلب منه أن يتطوع للصندوق، أو أن يسدد ضرائبه على الأرباح التى لم يسدد عنها حق الدولة.
نعرف أن مواسم تأتى علينا، يقال فيها للناس فى الصحف إن الفنان الفلانى سدد ضرائبه بمقدار كذا، وإن الإعلامى العلانى سددها بمقدار كيت، وإن.. وإن... إلى آخر الأرقام التى نطالعها من موسم لآخر، وكأن صاحب هذا الرقم، أو ذاك، قد تفضل على الدولة، وتنازل، وقرر أن يعطيها بعض ما عنده من أرباحه بامتداد العام!
فما معنى هذا؟!.. معناه أننا لا نملك نظاماً ضريبياً دقيقاً أو مضبوطاً إلى الآن، ولكى نملكه لابد أن نعرف أولاً: من يملك كم.. لا لنحسده، ولا لنلاحقه أبداً، وإنما لنقول له إن حق الدولة ضريبياً فى أرباحه هو كذا، وإننا نريده، وعندما نمتلك مثل هذا النظام الضريبى الدقيق والمضبوط سوف لا تكون الدولة فى حاجة إلى صندوق من أى نوع، لأن عائد ضرائبها الطبيعى سوف يتكفل، عندئذ، بالإنفاق على ما يجب أن توفره للمواطن من خدمات عامة آدمية، وسوف يزيد.. ومرة أخرى: من يملك كم؟!.. هذا هو السؤال الذى سوف توفر إجابته على الدولة إراقة ماء وجهها عند قدمى الصندوق!