بقلم سليمان جودة
لاتزال العشوائية هى السمة الغالبة فى إدارة الدولة، وأستطيع أن أقدم عشرات الأمثلة فى هذا الاتجاه، ولكن المثال الأقرب منها هو ملف جزيرتى «تيران» و«صنافير» الذى قامت حوله الدنيا ولاتزال تقوم!
لم يكن يكفى أبداً أن يقول مجلس الوزراء، فى بيان صادر عنه، إن الجزيرتين سعوديتان، وكان الأمر فى حاجة إلى كلام مقنع من المجلس نفسه.. كلام مدعوم بآراء لخبراء فى قانون البحار، والقانون الدولى، والتاريخ.
ولأن هذا لم يحدث، ولأنه لايزال غائباً، فإن الساحة قد انفرد بها الهواة، واختلطوا بالمحترفين، وراح المتخصص وغير المتخصص يفتى فى الموضوع، مع أنه بطبيعته يحتاج إلى أهل تخصص يتكلمون فيه بوضوح، وصراحة، لأنه يحتاج إلى أن يكون كلامهم مقترناً بالوثائق والخرائط.
مجلس الوزراء الذى أشعل الدنيا ببيانه، مدعو إلى أن يدرك أن فى البلد رأياً عاماً، وأن هذا الرأى العام إذا لم يجد ما يبحث عنه، فى قصة الجزيرتين أو غيرهما، عند حكومته المسؤولة، فسوف يذهب ليلتمسه فى أى مكان، ومن أى جهة، وعند أى طرف، وسوف يكون الرأى العام، فى هذه الحالة، نهباً لكل راغب فى الصيد فى الماء العكر!
الحكاية ليست ابنة يومها قطعاً، ولابد أن حديثاً طويلاً قد دار بين الجانبين المصرى والسعودى حول الجزيرتين، فى الفترة السابقة على زيارة الملك سلمان، ولابد أيضاً أن الدولة المصرية، فى أعلى مستوياتها، لم تقرر أن تعيد الجزيرتين، أو تسلمهما، إلى الدولة السعودية، فى لحظة، ثم لابد أن أحاديث طويلة قد جرت بيننا وبينهم، خلال الأيام والأسابيع السابقة على لحظة الإعلان الرسمى من مجلس الوزراء أن الجزيرتين سعوديتان.. فأين الرأى العام المصرى من هذا كله، ولماذا تم تجاهله؟! ولماذا لا نضعه فى الصورة؟!.. ولماذا لا نضع أمامه الحقيقة التى تقول إن الجزيرتين سعوديتان للأسباب كذا.. وكذا.. وبوضوح لا يحتمل أى لبس أو غموض؟!
الحكاية، فى غياب التوضيح الواجب من جانب الدولة، تحولت إلى مادة للسخرية على أبشع ما يكون.. تماماً كما حدث أيام الطائرة المخطوفة، وقد أصبح الجميع خبراء فى قوانين البحار، وفى القانون الدولى، وأصبحوا مؤرخين يتكلمون فى التاريخ!
والحقيقة أن هؤلاء جميعاً معذورون، لأنهم لم يجدوا شيئاً يصدر عن حكومتهم ليجيب عن الأسئلة التى يطرحها أصحاب النوايا الحسنة، مرة، ثم يروجها سيئو النية مرات!
المصرى عموماً ليست عنده مشكلة فى أن تكون الجزيرتان سعوديتين، ولكنه فقط يريد أن يفهم من حكومته، التى هى فى موقع المسؤولية، لماذا هما سعوديتان، الآن، ولماذا كانتا مصريتين إلى أيام قليلة مضت؟.. فمتى يفهم القائمون على أمر الدولة أن المعلومة الصحيحة حق أصيل للمواطن، وأن الإعلام الذى يصل بهذه المعلومة إلى المواطن إذا لم يجدها فإنه يختلق، ثم يظل يروج لما اختلق؟
إذا تصورنا قضية الجزيرتين اختباراً، فالدولة قد سقطت فيه، ولايزال فى إمكانها أن تستدرك، وأن تتكلم فتقطع الطريق على كل الذين يحترفون اصطياد أخطائها.
مجلس الوزراء أصدر بيانه الناقص، ثم اختفى، وترك الساحة خالية للهواة يتلاعبون بعقول الناس!