بقلم سليمان جودة
عندما يعلن مسؤول فى البنك الدولى، على الملأ، أن البنك فى انتظار موافقة البرلمان على بيان الحكومة، ليمنح مصر قرضاً قيمته 3 مليارات دولار، كدفعة أولى، سوف تأتى بعدها دفعات أخرى، فهذا فى حقيقة الأمر إهانة مكتملة الأركان للبرلمان المنتخب، ثم إنه إهانة من النوع ذاته للحكومة معاً!
وعندما يصرح مسؤول بالبنك الدولى بمثل هذا الكلام، ثم لا يجد مسؤولاً فى القاهرة يرد عليه، بأن يضع أصبعه فى عينيه، ويفهمه أن الموافقة على البيان ستكون لأسباب تخص مصلحة المواطن المصرى فى الأساس، ولا تخص غيره فى البنك، ولا فى غير البنك، فهذا معناه أن أسباب تمرير البيان، حسب كلام الرجل المنشور فى صحافتنا المصرية بالبنط العريض، سوف تكون فى واشنطن، حيث مقر البنك، ولن تكون فى القاهرة، حيث من المفترض أن تلتفت السلطة القائمة، إلى مصالح مواطنيها، ولا تلتفت إلى كل ما هو سواها!
وعندما يتلفظ مسؤول البنك الدولى بمثل هذا الكلام الردىء، ولا يرده أحد من مسؤولينا فى قاهرة المعز، ولا حتى ترده وزيرة التعاون الدولى التى تفاوضه على القرض، فليس لهذا من معنى سوى أن المسؤول إياه يستحمر أى قارئ لكلامه، ويتصور أنه سوف يمر عليه، دون فهم، ودون إدراك، ودون رفض!
ولم يشأ المسؤول المشار إليه أن يتوقف عند هذا الحد من الإساءة لشعب بكامل أفراده، المفروض أن البيان سيمر إذا كان فقط يحقق مصالحهم الحقيقية، والعكس صحيح، ولكن ذهب المسؤول الهمام لما هو أبعد من ذلك بكثير!
ذهب لأبعد مدى، عندما قال إن قرض البنك الدولى لنا بلا أى شروط!.. وهو كلام يدل على أن الرجل يفترض فيمن سوف يستقبلون كلامه فى مصر أنهم مجموعة من البلهاء.. وإلا.. فبالله عليكم.. هل سمعتم من قبل أن البنك الدولى قد أقلع عن سياسته التى نشأ عليها، منذ عام 1945، وقرر أن يتحول إلى جمعية خيرية، توزع فلوسها باليمين مرة وبالشمال مرات، دون أى شروط؟!.. إذ ليس مطلوباً منا والحال هكذا، ولا من غيرنا بالتالى، إلا أن نطرق أبواب البنك، لطلب أى مليارات من الدولارات نريدها، وعندها سوف يستجيب البنك على الفور، ويشير مسؤولوه إلى غرفة مملوءة بالفلوس، ويطلبون ممن يريدون مالاً أن يغترفوا منها، حسبما يشاءون، دون أى مقابل!
منذ متى كان البنك الدولى يمنح دولاراً واحداً، دون شروط؟!.. بل شروط مذلة؟!.. ومنذ متى كانت فلوس هذا البنك متاحة لكل من يريدها، وبأى رقم، ودون أى شروط؟!.. إن أغرب ما فى الأمر، بل إن ما يدعو إلى الأسى حقاً أن د. سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، قد نشرت الصحف على لسانها كلاماً بالمعنى نفسه، ولم تفكر فى أن تسأل نفسها السؤال الآتى: إذا كانت قروض البنك بلا أى شروط هكذا، فلماذا ذهبت هى إلى هناك، وعلى أى شىء تفاوضهم هى بالضبط؟!
إلى هذا الحد وصل استحمار القارئ الذى يستقبل مثل هذا الكلام!!.. وإلى هذا المدى هان المواطن عندنا، فى نظر مسؤوليه وغير مسؤولية؟!.. إن انتظار موافقة البرلمان على بيان الحكومة، ثم ربط القرض به، كما ترتبط المقدمات بنتائجها شرط مهين فى حد ذاته، ولكن يبدو أن مسؤولينا الذين يعنيهم الأمر لا تعنيهم إهانة برلمان، ولا إهانة بلد من بعده، فى شىء!