سليمان جودة
كنت أتصور أن يتكلم الرئيس عن الداعين إلى ثورة فى 25 يناير، بشكل مختلف، وأن يدعوهم إلى أن يقوموا بما يدعون إليه فعلاً، وأن يفتح أمامهم ميدان التحرير فى هذا اليوم، ومعه أى ميدان آخر!
كنت أتصور هذا، لأننا نريد أن نرى عددهم، ونريد أن نرى كم بالضبط يمثلون بين المصريين، وأظن أنهم سوف يصبحون «فُرْجة» لنا إذا خرجوا، وأظن أيضاً أنها سوف تكون فرصة لنراهم، ليس فقط من حيث عددهم الهزيل، وإنما من حيث وجوههم التى نريد أن نعرفهم منها واحداً.. واحداً!
ثم كنت أتصور أن يقطع الرئيس خطوة أبعد من هذا، بأن يخاطب الرئيس هؤلاء الداعين إلى ثورة، فى ذكرى عيد الشرطة، بأن يقول لهم إنه يرحب بدعوتهم وبثورتهم، وإنه سوف يتيح لهم كل الميادين التى يريدونها، بشرط وحيد، هو أنه سوف يترك عليهم سائر المصريين، وساعتها سوف يرى الداعون إلى الثورة حقيقة مشاعر المصريين، فى غالبيتهم الكاسحة، إزاءهم، وسوف يرون بأعينهم ماذا سوف يفعل المصريون بهم!
الرئيس كان عليه أن يتكلم عن هؤلاء الداعين إلى ثورة، بقلب جامد، وأن يكشفهم أمام الرأى العام فى غالبيته، وأن يعرى عددهم الحقيقى، وأن يغريهم بأن يخرجوا إلى النور، لنراهم عن قرب، ولنرى ملامحهم، ثم ليروا هم أن الثورة ليست لعبة يلهون بها، كلما جاءت ذكرى 25 يناير، وأنه ما لم يكن الشعب نفسه عنده الاستعداد، وعنده الرغبة، وعنده الإرادة فى ثورة، فإن الداعين إليها يطاردون سراباً، ويلاحقون وهماً، ويضحكون على أنفسهم، قبل أن يضحك عليهم الآخرون.
الداعون إلى ثورة يعرفون تماماً أن مشاعر المصريين، فى غالبيتهم، مع الرئيس، وأنهم واثقون به، وأنهم متأكدون من صدق نواياه، ومن صدق وطنيته، وأنهم يقدرون له تماماً وقفته معهم فى 30 يونيو 2013، وأنهم إذا كانت لديهم ملاحظات على أدائه العام، فليس هذا معناه أنهم ضده.. بالعكس.. إنهم معه، يداً بيد، ويرغبون بصدق فى أن يتقدمهم هو إلى ثورة أخرى.. ثورة على كل شىء سيئ فى البلد.. ثورة تدفع ببلدنا إلى مكانته التى تليق به.. ثورة تعيده بإمكانات اقتصادية حقيقية إلى دوره الحقيقى فى المنطقة وفى العالم.. لا ثورة تهدمه!
إننى كثيراً ما أعود إلى الكلمة التى كان الرئيس قد ألقاها فى مارس قبل الماضى، عندما استقال من منصبه كوزير دفاع، وقرر أن يرشح نفسه رئيساً.. ففيها كان الرئيس يقطع على نفسه عهداً ووعداً، بأنه سيقود ثورة على كل أوضاعنا المهترئة، وهو ما لم يحدث إلى الآن، ولذلك أدعوه إليها، وإلى أن يقودها، لأنها سوف تكون ثورة تبنى.. لا ثورة تهدم مثل التى يدعو إليها أولئك الهدامون.
الرئيس وحده مدعو إلى أن يقود ثورة بالمعنى الذى أشرت إليه.. وكل الذين هم سواه يمتنعون!