سليمان جودة
كنت خارج البلاد وقت أن أصدر المهندس شريف إسماعيل قراراً بتجميد قرار درجات السلوك والحضور فى المدارس، الصادر عن الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، فكان التعليق التلقائى، الذى صدر عن صديق كان معى هناك، حين سمع بقرار رئيس الحكومة لأول وهلة، هو أنك أمام لا دولة!
أنت أمام لا دولة، لأن وزير التعليم، عندما أصدر قراره، لم يكن يريد العكننة على تلاميذ المدارس، بقدر ما كان يريد أن يكون فى مدارسنا الحد الأدنى من الانضباط، والحد الأدنى من الحضور، والحد الأدنى من السلوك المعتدل، ثم الحد الأدنى من الاحترام.. فإذا برئيس الحكومة يهدم هذا كله، فى لحظة، وإذا به، من خلال قرار التجميد، يدعو التلاميذ إلى عدم الحضور، وعدم الانضباط، وعدم الاحترام!
كان قرار الوزير الهلالى يواجه مقاومة طبعاً، وكان المحزن أن يخرج طلاب فى مسيرات ضد القرار، وكان الواحد منا مستعداً لأن يتفهم اعتراض بعض الطلاب على القرار، فالطالب بطبيعته ضد القيود بوجه عام.. أما أن يخرج أولياء أمور مع الطلاب فى المسيرات، فقد كان هذا هو الجديد حقاً، وكان هذا هو الذى يدعو للحزن حقاً!
ويبدو أنى كنت متفائلاً بأكثر من اللازم، عندما دعوت رئيس الحكومة، قبل صدور قراره، إلى أن يخرج عنه بيان من سطرين، يعلن فيهما دعمه للوزير، ويعلن أن قرار تحقيق السلوك والانضباط فى المدارس ليس قرار الوزير وحده، ولكنه قرار دولة.. كنت أتصور هذا، وأتوقعه، وأطالب به، فإذا برئيس الحكومة يخذلنا تماماً، وإذا به مؤيد للفوضى، والانفلات، وسوء الأدب فى المدارس.
ولا يملك المرء منا إلا أن يشد على يد الوزير، الذى لم ييأس، وأعلن بعدها أن كل طالب لا يستوفى نسبة الحضور على مدى العام، وهى 85٪، لن يدخل الامتحان.. إننى أشد على يده، رغم أنى أحس، بينى وبين نفسى، أن قرار رئيس الحكومة قد أصابه بخيبة أمل من النوع الثقيل، وأصاب كل واحد عنده أمل فى إصلاح التعليم فى بلدنا بخيبة أمل أكبر.
إننى أبصم بالعشرة على أن التعليم ليس مجرد حضور وسلوك بالطبع، وأن التعليم هو مدرس، ومع المدرس منهج يدرسه الطالب، ثم مدرسة تتم فيها العملية التعليمية كلها.. غير أنى، فى الوقت نفسه، لا أتصور مدرسة بلا حضور للطلاب فيها، ولا أتخيل طالباً بلا انضباط فى مدرسته.. لا أتصور، ولا أتخيل أبداً!
وعندما قرر الدكتور ممدوح غراب، رئيس جامعة قناة السويس، الأسبوع الماضى، طرد 8 طلاب من مؤتمر كانت الجامعة تعقده، لأنهم لم يقفوا أثناء أداء السلام الجمهورى، والنشيد الوطنى، قلت فى نفسى إن مثل هؤلاء الطلاب الثمانية بالضبط هم الذين كان الوزير يريد أن يعلمهم الأدب، فجاء رئيس الحكومة، من وراء الوزرير، ليشجعهم على سوء الأدب، ولكننا، فى كل الأحوال لا يجوز أن نيأس عندما يترسخ لدينا الشعور، يوماً بعد يوم، بأن الذين يديرون البلد مجموعة من الهواة المبتدئين، فسوف يأتى له، ذات يوم، رجال محترفون!