سليمان جودة
سواء كانت العبارة التى قالها الرئيس للمهندس محلب، صباح الأحد الماضى، عبارة جادة، أو كانت عبارة مازحة، فهى تدل، فى حالتيها، على أن أداء الحكومة فى العام الرئاسى الأول لم يكن هو الأداء الذى انتظره رئيس الدولة من حكومته.
ومن الطبيعى أن تكون للرئيس ملاحظات على أداء حكومته الأولى، بل من الطبيعى أن تنجز الحكومة فى مجال، وتتعثر فى مجال آخر، ولكن من غير الطبيعى أن يبدأ العام الرئاسى الثانى، ثم تمر منه ثلاثة أيام، حتى الآن، دون أن يخرج الرئيس على الناس، من خلال كلمة موجزة، يقول فيها إن هذه هى حصيلة العام الأول، وإن هذه هى ملاحظاته عليه، وإن السبيل إلى التعامل مع هذه الملاحظات، فى السنة الثانية، هو أن نفعل كذا.. وكذا، وأن نتجنب كيت.. وكيت!
وقد كنا ننتظر الشىء نفسه من المهندس محلب، وكنا نأمل، ولانزال، فى أن يكون له خطاب معلن ومذاع إلى المواطنين، يقول فيه بوضوح إنه راضٍ عن أداء حكومته فى الاتجاه الفلانى، وغير راضٍ عنه فى الاتجاه العلانى، وإن المستهدف فى ميدان شبكة الطرق، مثلاً، إذا كان قد تحقق بنسبة 50٪ فقط، فإن الأسباب وراء ذلك كانت على النحو التالى، وإننا لكى نتفادى هذه الأسباب المعطلة لنا، فى عامنا الثانى، فلابد أن يكون تصرفنا على النحو الآتى.. وهكذا.. وهكذا!
لقد بدأ العام الثانى، ومضت منه ثلاثة أيام، دون كلمة من الرئيس، ولا من رئيس الحكومة إلى المصريين، مع أنهما غير راضيين عن العام السابق عليه، ومع أنه من المؤكد أنهما لا يريدان للعام التالى أن يكون صورة من الذى مضى!
إن مراجعة الرئيس لأداء عام حكومى كامل لا يجوز أن تأتى صدفة، فى أثناء افتتاحه عدة مشروعات، صباح الأحد، ولا يليق أن تكون المراجعة من خلال عبارة عابرة، من نوع ما قالها هو لرئيس الحكومة، ولم يعرف أحد، إلى هذه اللحظة، ما إذا كان الرئيس جاداً فيها، أم أنه كان مازحاً!
المصريون جميعاً يعرفون أن البلد لايزال يواجه حرباً فى داخله، ومن خارجه، ويعرفون أن الرئيس يواجه هذه الحرب على مستوييها بقوة وصلابة وعزيمة، ويقفون معه ضد أعداء الوطن فى الحالتين، ويعرفون كذلك أن «محلب» أعطى كل ما عنده وزيادة، وأنه كان «بلدوزر» ولايزال، حتى وإن كانت قوة البلدوزر لم تكن بالمستوى الذى انتظره الرئيس، حسب عبارته لرئيس وزرائه.. ولكن هذا كله لا ينفى أن المصريين يريدون عاماً رئاسياً جديداً يختلف تماماً عما كان فى عام سبق، ويريدون من الرئيس أن يقوم بثورة حقيقية على معدلات الأداء الحكومى، فى جهاز الدولة كله، بمثل ما راح هو يطالب الأزهر بثورة من أجل الدين، وليس على الدين طبعاً: كما أراد ضعاف النفوس أن يصوروا الأمر فى حينه!
من حق الرئيس، بل من واجبه، ألا يرضى عن حصيلة عام بكامله، فما سمعناه منه شخصياً، وقت أن كان مرشحاً رئاسياً، كان أعلى مما تحقق بمراحل، ولكن من حقنا، فى المقابل، أن نرى منه وقفة معلنة على أبواب العام الثانى، يحدد فيها أولوياته بوضوح، ليذهب ونذهب نحن معه إليها من أقصر طريق.
المصريون لم ينتظروا معجزات فى العام الأول، لأن انتظار معجزات فى عام واحد إنما هو ضد طبائع الأمور نفسها، ولكنهم انتظروا «بدايات» يشعرون بها، ولو بمقدار، ومن المؤكد أن بدايات من أنواع كثيرة، قد شهدها العام الأول، وإذا كان المواطنون فى غالبيتهم الكادحة، لم يشعروا بها، فلأنها لم تكن مرتبة وفق فقه الأولويات المستقر لدى شعوب كثيرة، فليكن عامك الثانى هو عام الأولويات.