سليمان جودة
مع كل مرة تخرج فيها طائفة من بيننا، لتطلب مكاسب إضافية لها، على المستوى الوظيفى، أتذكر على الفور رئيس الوزراء الإخوانى عصام شرف، الذى كان أول من وضع حجر الأساس فى أيامه!
إننا نذكر جيداً أن محمد البلتاجى كان هو الذى قدم «شرف» رئيساً للحكومة فى ميدان التحرير، ثم نذكر أن قراراً، فى تلك الأيام، كان قد صدر بتعيين محافظ جديد فى محافظة قنا، وكيف أن عدداً من أبناء المحافظة قد خرجوا محتجين، ثم رافضين القرار!
وبدلاً من أن يخاطب رئيس الحكومة، وقتها، مواطنيه حول أن القرار قرار دولة، وأنه لابد من تنفيذه، فإن رئيس الحكومة الإخوانى قد خضع، ثم خنع، ثم تراجع، ولم يدخل المحافظ الجديد مكتبه!
كانت تلك هى البداية الحقيقية، التى أسست لأن يحكم الشارع القانون، لا العكس كما هو مفترض، وكانت تلك هى البداية لأن تتعرض الدولة لابتزاز بعض أبنائها، طلباً لزيادات فى الرواتب، وطلباً لحوافز، وطلباً لأرباح فى شركات خاسرة، إلى الدرجة التى لما كشف معها الرئيس مؤخراً عن حجم مخصصات الرواتب الآن، قياساً على حجمها قبل 25 يناير 2011 للموظفين، تبين لنا أن هذا الحجم قد تضاعف مرتين، وثلاثاً!
لستُ بالطبع ضد تحسين مستوى دخل المواطن، لأقصى درجة ممكنة، فالدول قامت فى الأساس، كفكرة، لتوفر لمواطنيها دخولاً معقولة، وحياة كريمة، غير أن هذا كله شىء، وأن يكون تحسين الدخل، للعاطل مع الباطل، وللعامل، وغير العامل، دون تمييز، بين من يستحق ومن لا يستحق شىء آخر تماماً.
وحين واجهت الحكومة مشكلة كهذه، مرتين خلال الفترة الأخيرة، فإنها أجلت حل المشكلة، ولم تحلها فى وقتها، ولا حسمتها.. لقد حدث هذا فى حالة الاحتجاج على قانون الخدمة المدنية، ثم فى حالة احتجاجات بعض أمناء الشرطة.. وفى الحالتين، كان على الحكومة، ولايزال، أن تقول إن الأيام التى كان الشارع فيها يحكم القانون قد مضت، وإن القانون هو الذى عليه أن يكون حاكماً للشارع، ولغير الشارع.. وكان عليها، ولايزال، وهى تقول ذلك، وتنفذه، أن تكون عادلة بين مواطنيها، وأن تشرح، بأوضح لغة للمواطنين أن الهدف من قانون الخدمة المدنية أن تكافئ الذى يعمل، وأن تمنع المكافأة ذاتها، عن الذى لا يعمل، وأن من حق أمين الشرطة، وغير أمين الشرطة، أن يسعى إلى أن يكون دخله أفضل.. من حقه تماماً، وعليه أن يظل يطالب بذلك، بشرط ألا تنطوى مطالبته على خرق للقانون، ولا على تعطيل لمصالح الناس.
عليها أن تبدد هذا الميراث الأسود، الذى وضع أساسه «شرف» فى أيامه التعيسة، والذى دفعت الدولة ثمناً فادحاً له، ولاتزال.. وعليها أن تعيد القانون إلى الشارع، وأن يحكم الأول، لا الثانى، على أن يكون عادلاً، وألا يميز بين المواطنين، وألا يجامل القانون، الكبير، ولا يتجاوز فى حق الصغير.
فى الدول التى قطعت أشواطاً للأمام، كانت سيادة القانون هى نقطة البداية.