سليمان جودة
صباح أمس الأول كنت فى المغرب، وما حدث أنى قطعت 400 كيلو، هى تقريباً المسافة بين الدار البيضاء وطنجة، مروراً بالرباط، فى خمس ساعات بالسيارة، وقد لاحظت شيئاً أريد أن أنقله إلى مسؤولينا فى الدولة، بشكل عام، ثم إلى المهندس هانى ضاحى، وزير النقل، بشكل خاص.
لاحظت، أولاً، أنه لا يوجد مطب صناعى واحد، على طول هذه المسافة، لتتصور أنت فى المقابل عدد المطبات من هذا النوع فى مسافة مماثلة عندنا.. ولا يوجد معنى لانتشار المطبات الصناعية على الطرق المصرية سوى أننا عاجزون عن إلزام السائقين بالتزام السرعة المقررة، فنلجأ إلى إرغامهم على الالتزام بطريقة بدائية تؤدى إلى إهلاك لا حدود له للسيارات، وإلى مضاعفة الوقت المطلوب لقطع أى مسافة، لأن قائد أى سيارة يجد نفسه مضطراً إلى التهدئة قبل المطب، ثم العودة إلى سرعته الطبيعية بعده.. وهكذا.. وهكذا.. على طول الطريق!
أما الشىء الثانى، الذى يظل أهم، فهو أن مسافة الـ400 كيلو بين المدن الثلاث تقع عليها خمس محطات رسوم، ويدفع السائق بعد عبورها كلها ما يعادل مائة جنيه مصرى!
ولابد أن هذا المبلغ عندهم لا يذهب هباءً، ولا يضيع، ولا يتبدد، ولا يتم تحصيله على سبيل الجباية لا أكثر، وإنما تلحظ أثره المباشر على مستوى جودة الطريق، وعلى مستوى الخدمات العامة الواقعة على جانبيه.. وإذا كان كل واحد منا يتعذب إذا قطع مسافة كهذه بين مدينتين مصريتين، فالمسافة نفسها على طول الطرق المغربية متعة من المتع!
ولم أستطع أن أمنع نفسى من المقارنة بين 400 كيلو هناك و400 كيلو هنا، كنت قد قطعتها منذ فترة، بين القاهرة والعلمين، مروراً بالطريق الصحراوى، وكيف أن القاطع لها عليه أن «يتشاهد» على نفسه، قبل أن يبدأ، ثم وهو فى طريق العودة!
ولابد أن الرئيس السيسى كان يعرف ماذا يفعل، عندما أعلن أنه سوف ينشئ هذه السنة 3000 كيلو جديدة من الطرق، بين المدن والقرى المصرية، فنحن أحوج ما نكون إلى مسافة مضافة من الطرق الجديدة، وبهذا الطول، ونحن أيضاً فى حاجة إلى مسافات تصل لأضعاف أضعافها مستقبلاً، وبالجودة التى سوف يتمسك الرئيس بإنجازها بها.. فالمشكلة عندنا ليست أبداً فى عدم وجود طرق، بقدر ما هى فى وجود طرق بمستوى لا يليق بنا، وبمستوى يجعل كل مصرى يتردد طويلاً فى أن يسافر بها، إذا ما قرر السفر.
فى المسافة بين القاهرة والعلمين، لم أصادف سوى محطة رسوم يتيمة هى الواقعة فى أول الصحراوى، وهى هزيلة، ومتداعية الحوائط والجدران، بشكل يدعو للأسف والخجل من أنفسنا، قبل أن نخجل من غيرنا، ولا أعرف ما إذا كان وزير النقل قد مر بها، ورأى شكلها ومستواها بعينيه، أم لا، ولكن ما أعرفه أن محطة بهذه الصورة البائسة على واحد من الطرق الرئيسية لدينا، لا تليق أبداً بنا.
وإذا كنت أتمنى شيئاً، فهو أن يزورها الوزير فجأة، ودون ترتيب، ليراها عندئذ على حقيقتها، كما يراها أى مواطن يدفع الجنيهات الخمسة عند المرور منها، وهو متضرر، ليس لأنه لا يريد أن يدفع، ولا لأنه يجد المبلغ كبيراً، وإنما لأنه يشعر قبل المحطة وبعدها، بأن ما يتم تحصيله من الناس لا يعود عليهم فى صورة خدمات عامة لابد أن تكون أفضل، على جانبى الطريق، وفى صورة طريق سريع لابد كذلك أن يكون آدمياً بأى ثمن!
اجعلوا من محطة رسوم الصحراوى محطتين، وثلاثاً، بل أربع محطات، بشرط أن يدفع المواطن، وهو يمر بها، راضياً ومتأكداً من أن ما يدفعه سوف يجده على الفور فى خدمته من أول متر فى الطريق لآخر متر فيه!
الثلاثة آلاف كيلو التى سوف ينشئها الرئيس هذا العام مهمة للغاية، ولكن ما هو أهم منها أن تخضع الطرق القديمة لصيانة عاجلة، وسريعة، وأمينة، وفيها ضمير، فعواقب عدم صيانتها لا تقل قسوة، فى حياة كل مواطن، عن عواقب عدم صيانة محطات الكهرباء التى تحرق أعصاب الملايين هذه الأيام، بامتداد الليل والنهار!