سليمان جودة
أرجو أن ننتبه إلى أن هانى قدرى، وزير المالية، قد امتلك قدراً من الشجاعة لم يمتلكه وزير مالية من قبل، منذ يناير 1977، عندما رفع الرئيس السادات وقتها دعم الدولة عن بعض السلع، إلى اليوم!
والحقيقة أنك لا تعرف ما إذا كانت الشجاعة هنا، شجاعة وزير ماليتنا، أم أنها شجاعة نابعة من رئيس الدولة ذاته!
ذلك أن ما نعرفه أن وزير المالية كان قد قدم موازنة العام المالى الجديد 2014/2015، كما هي، وكما كانت في العام السابق عليه، فإذا برئيس الدولة يفاجئ رئيس حكومته، ووزير ماليته، ويرد إليهما الموازنة، رافضاً التوقيع عليها، وطالباً التعديل فيها!
وبسرعة، وفى ظرف أسبوع، كانت الموازنة قد تغيرت، وكان هانى قدرى قد قرر البدء في مواجهة مشكلة استعصت على الحل، طوال الفترة من عام 77 إلى 2014، وهى مسألة الدعم.
والقصد بالدعم، هنا، أنك كمواطن تحصل على السلعة الفلانية، من الدولة، بأقل من تكلفتها الحقيقية، وبمعنى أوضح فإن رغيف العيش إذا كان يصل إليك- مثلاً- بخمسة قروش، فإنه يتكلف 25 قرشاً تقريباً، وعندما تشتريه أنت بقروشك الخمسة، يصبح مطلوباً من طرف آخر أن يدفع عنك العشرين قرشاً، التي هي الفارق بين سعر الشراء والتكلفة الحقيقية، ولابد أن هذا الطرف الآخر ليس جناً من السماء، وإنما هو الدولة، وقد تحملت الدولة هذا الفارق، عن رضا، مرة، وعن غير رضا، مرات، حتى إذا جاء عليها هذا العام، أعلنت أنها صارت عاجزة عن المزيد من التحمل، وأنه لابد من المواجهة!
وقد كان أغلبنا يطالب، على مدى سنوات مضت، بأن نبدأ هذه المواجهة، وألا نتأخر فيها، لأننا كلما تأخرنا، ألحق ذلك ضرراً باقتصادنا القومى في إجماله.
ولم يكذب الوزير قدرى خبراً، عندما عادت إليه الموازنة العامة من الرئيس، فقرر مواجهة حكاية الدعم من منبعها، ونزل بالمبلغ المقرر لدعم الطاقة بكل أنواعها، من 144 مليار جنيه إلى مائة مليار جنيه في العام، ثم نزل بالاعتمادات المقررة للأجور، من 248 ملياراً إلى 207 مليارات، وفى الوقت نفسه فإنه زاد المبلغ المقرر للإنفاق على التعليم 11 ملياراً، ومثلها للصحة، أي أنه أخذ من هنا ليضيف هناك!
وحين تقرأ الكلام المنشور على لسان الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، في الصحف، صباح أمس، سوف تفهم أن الدعم الذي كان مقرراً للكهرباء، باعتبارها أحد أنواع الطاقة، قد انخفض عشرة مليارات جنيه تقريباً، وأن أسعار فاتورة الكهرباء سوف تطرأ عليها زيادات سنوية، ابتداء من فاتورة يوليو الحالى، ولمدة خمس سنوات، وعندها، أي بعد خمس سنوات، سوف تتخلص الوزارة من دعم الكهرباء، نهائياً، بل سوف تحقق أرباحاً بعد السنة الخامسة!
كل ما فات جميل، ولكن يبقى ألا ننسى أبداً كدولة أن رفع الدعم، بهذا الشكل التدريجى.. لابد.. لابد أن يكون مقترناً بإدخال نوع من التحسن الموازى على دخل الفرد، بحيث يستطيع أن يعيش كريماً، وأن يشترى السلعة بتكلفتها.
فما تفهمه من كلام الوزير شاكر، بالأمس، أن الزيادة الطارئة سوف تكون على جميع شرائح الاستهلاك من استهلاك زيرو إلى ما شاء الله، وهذا حرام في الحقيقة، لأنه ليس معقولاً أن ترفع الدعم عمن يضىء لمبة واحدة، أو لمبتين في بيته، وعمن يستخدم أجهزة التكييف في وقت واحد، ودون تمييز.. لا.. لا يجوز!
وإذا كان الوزير يقول في كلامه المنشور إن المواطن قام بثورته وهو يعلم أنه سوف تنتظره معاناة وقرارات مؤلمة، فلا أظن أن هذا صحيح على إطلاقه هكذا، لأن المواطن الغلبان ينتظر من الثورة، أي ثورة، أن يستريح قليلاً، لا أن يعانى أكثر.
"المصري اليوم"