سليمان جودة
الثلاثة كانوا من بين سائقى التاكسى، والثلاثة يستحقون التكريم، ويستحقون المكافأة، لعل غيرهم يقتدى بهم.
أما الأول فكان فى منطقة الدقى قبل عدة أشهر من الآن، وكانت الحكاية أنه شك فى شخص تبين فيما بعد، أنه كان يجهز لعمل إرهابى فى المنطقة، ولم يشأ السائق وقتها أن يحتفظ بالشك فى نفسه، أو أن يمضى فى حال سبيله، شأن كثيرين من حوله، وإنما نزل من سيارته، وراح يطارد الشخص إياه، حتى أمسكت به الشرطة، وكانت القصة حديث الناس فى حينها!
وأما الثانى فهو هيثم مرعى، السائق الذى استقل الإرهابيون الثلاثة سيارته، من الأقصر، إلى معبد الكرنك، يوم الأربعاء الماضى، وقد تصرف هو الآخر، على نحو ما تصرف زميل له من قبل فى الدقى، وكان أن ذهب وأبلغ عن شكوك ساورته فى الثلاثة، وكانت ظنونه فى محلها، ولولاه، لوجدنا أنفسنا أمام كارثة من نوعية ما جرى فى المكان ذاته تقريباً، عام 1997، ولابد أن كثيرين يذكرون جيداً، كيف كان التأثير فى ذلك الوقت، بالغ السوء، على صناعة السياحة كلها!
وكان الشخص الثالث هو السائق مصطفى عبدالنبى، الذى اشتبك مع واحد من الإرهابيين الثلاثة، أمام المعبد، إلى أن سقط برصاص الشرطة!
نحن، فى الحالات الثلاثة أمام مواطن مشارك، لا مواطن متفرج.. أمام مواطن عنده حس وطنى رفيع، لا أمام مواطن غارق فى سلبيته، وإحباطه، ويأسه.. أمام مواطن مدرك أن البلد بلده، وأن ذلك يقتضى منه أن يكون إيجابياً، فى سلوكياته، وتصرفاته، على مدى اليوم، لا أمام مواطن يتمنى لو جاءته فرصة للهجرة والسفر!
ولكن المشكلة، كما ترى، أننا نحصى المواطنين من هذا النوع، على أصابع اليد الواحدة، وإذا تفاءلنا أحصيناهم على أصابع اليدين، بما يعنى أن المواطن إيجابى مع وطنه، بفطرته، ولكن ظروفاً قاسية من حوله يمكن أن تحوله مع الوقت، إلى العكس، وإلى أن يتعامل مع البلد، على أنه لا بلده، ولا يعرفه!
وهنا تقع المسؤولية الكبرى على الحكومة، فى استثمار الثروة البشرية المتاحة لها، بدلاً من الشكوى طول الوقت، من أن الزيادة السكانية، فوق المعدلات الآمنة، وأنها خطر، وأنها تلتهم كل جهد مبذول فى مجال التنمية، وأنها.. وأنها.. إلى آخر هذا الكلام، الذى أصاب الناس بالملل، لأنهم يسمعونه باستمرار، ولا يسمعون فى المقابل عن تعامل جاد مع الموضوع!
إن الحكومة التى تشكو من تزايد عدد السكان، بما يفوق موارد البلد، إما أن تتخذ إجراءاتها الحقيقية لوقف الزيادة عند حدها، وإما أن تستثمر فى هؤلاء البشر، أو أن تسكت!
تعبنا من كثرة الكلام عن أن فى الدولة موارد تكفى ضعف سكانها، وأن أغلبها مسروق ومنهوب، وتعبنا من كثرة الكلام عن أن القصة كلها فى كيفية إدارة موارد البلد المتاحة التى بقيت بعد السرقة وبعد النهب، وليس فى البحث عن أى موارد جديدة، ثم تعبنا أكثر، وأكثر، من كثرة الكلام عن أن الاستثمار فى الحجر، دون البشر، لن يجدى فى شىء!
تعبنا دون جدوى.. ولكن يبدو أن المواطن المتفرج يريح الحكومة أكثر!