سليمان جودة
حين رأيت محمد يونس في مدينة الرباط، بالمغرب، قبل أسبوع من الآن، لم تكن المرة الأولى التي أراه فيها بسرواله الشهير، فلقد رأيته من قبل، عدة مرات، وفى أكثر من عاصمة، غير أن هذه المرة الأخيرة كانت الأولى التي أسمعه فيها جيداً، ثم أنصت إلى ما يقول باهتمام من جانبى، يليق بما يقال على لسان الرجل حول قضية تؤرِّق، بطبيعتها، أي إنسان عنده ضمير.
كان «يونس» قد جاء إلى العاصمة المغربية مدعوّاً من برنامج الخليج العربى للتنمية (أجفند) الذي يرأسه الأمير طلال بن عبدالعزيز، وكانت المناسبة هي توزيع جوائز، تم رصدها منذ العام الماضى، على أفضل ثلاثة أو أربعة مشروعات فردية في العالم، استطاعت بعيداً عن الحكومة أن تتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع، وأن تخفف من بؤس مثل هؤلاء الأطفال.. ولقد فازت بالجوائز ثلاثة مشروعات، نفذها ثلاثة أفراد، في جنوب أفريقيا، وفى غانا، وفى كمبوديا، ولابد أن الدكتورة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، مدعوة إلى أن تطلب هذه المشروعات الثلاثة، لعلها تجد فيها ما يفيدها في جهدها من أجل أطفال شوارعنا!.. إننى أدعو الدكتورة «والى»، وأرجوها.
وقد أدهشنى محمد يونس، هذا الرجل القادم من بنجلاديش، وهو يقول إن الفقراء لا يصنعون فقرهم، وإن النظم الاقتصادية المتبعة في أي بلد هي التي تصنع الفقر، أو تقضى عليه.. ثم أدهشنى أكثر وهو يقول إن مكافحة الفقر، ومقاومته، تبدآن من عند التعليم، الذي عليه أن يزرع في عقل كل طالب أنه جاء ليتعلم، ليس فقط من أجل أن يجد فرصة عمل لنفسه، فيما بعد تخرُّجه، وإنما من أجل أن يسعى في سبيل إيجاد فرص عمل لآخرين!
طبعاً نعرف أن «يونس» حاز جائزة نوبل عام 2006، وأنه حازها لأنه أنشأ بنك «جرامين» الشهير في بلده، وهو بنك كان ولا يزال يبحث في كل يوم عن طريقة يمحو بها فقر أي إنسان رماه سوء حظه تحت قسوة الحاجة.
ولا تزال تجربة «يونس»، من خلال بنك الفقراء الذي أنشأه، متاحة لأى بلد يعانى فقراؤه، وهى متاحة ليس من أجل أن ننقلها نحن، مثلاً، كما هي في بنجلاديش، وإنما لندرسها، ثم نأخذ منها ما نراه مفيداً لنا، وما نرى أنه صالح لأن نطبِّقه في بلدنا.
الأمير طلال، من جانبه، كان قد عرف «يونس»، منذ وقت مبكر، ولقد أراد أن يجعل معرفته به مفيدة لأبناء وطنه العربى كله، بل للإنسان من حيث هو إنسان، فراح ينشئ، منذ نحو 15 عاماً، سلسلة من بنوك الفقراء في العالم العربى، وفى خارجه على السواء.
هذه البنوك وصل عددها إلى تسعة، ولم تشأ حكومة المغرب أن تفوِّت فرصة توزيع الجوائز على أرضها فقررت أن يكون البنك العاشر من نصيب فقراء الدولة المغربية.
المثير للتساؤل حقاً أن الأمير كان قد عرض أن يكون واحد من البنوك التسعة التي جرى إنشاؤها من نصيب مصر، غير أن حكومات عدة، فيما قبل 25 يناير 2011، راحت تتلكأ في الموافقة مرة، وتهرب من الموضوع مرات، وكأن الفقراء قد اختفوا من فوق أرضنا!
وما فهمته، أكثر من مرة، أن الأمر ربما كان في حاجة عندنا إلى تعديل تشريعى من نوع ما، وأن ما حال دون إنشاء بنك للفقراء في مصر كان أن القانون القائم لا يسمح، بما يجعلك تسأل في حيرة عن السبب الخفى الذي يمنعنا من نسف مثل هذا القانون، وليس فقط تعديله، لعل البنك الحادى عشر يكون من نصيبنا!
الذين يعرفون الأمير طلال يعرفون أنه مصرى أكثر من مصريين كثيرين، وأنه يأمل أن تحتضن القاهرة واحداً من بنوك الفقراء.
ولست أرى، من ناحيتى، تفسيراً لتلكؤ أكثر من حكومة في مسألة السماح بإنشاء بنك فقراء عندنا سوى أنها كحكومات، واحدة وراء الأخرى، لا ترحم الفقراء، ولا تريد لرحمة الله أن تنزل عليهم!