سليمان جودة
على غرار بيت الزواحف، الذى كنا نزوره زمان، فى حديقة حيوان الجيزة، زرتُ، السبت الماضى، بيتاً مماثلاً فى مدينة كورتونا الإيطالية، شمال العاصمة روما، ولكنه هذه المرة ليس بيتاً للزواحف!
اسمه «بيت التحف» ويتكون من أربعة طوابق، ويتوسط المدينة، ويعرض للبيع كل ما يحتاجه بيتك فى جدرانه، وغرفاته، وصالاته، من الأشياء القديمة، ولمدة 3 أسابيع من كل عام، ثم يظل يجمعها إلى موعد الأسابيع الثلاثة من العام التالى!
البيت ليس حكومياً، وتملكه مؤسسة خاصة تشترى، على مدار السنة، كل الأنتيكات، لتعرضها بما يوازى قيمتها التى أضافها إليها الزمن، ويستطيع الأثرياء من أصحاب الذوق أن يملأوا بيوتهم بها، وأن يزينوا جدرانها بكل ما هو قديم وثمين معاً، مما يعرضه هذا البيت الفريد.
ولو أنت رأيته، فسوف يدهشك أنه يعرض ــ مثلاً ــ مرآة حائط عمرها مائة عام، أو يعرض دولاباً خشبياً من النوع الذى كان لا يخلو منه بيت مصرى، خصوصاً فى الأرياف، فى بدايات ومنتصف القرن الماضى، وكان من لوازم زفاف العرسان الجدد!
وإذا كنت أنت لاتزال تذكر «سحارة جدتك» التى كانت قديماً كأنها مخزن، وكأنها خزانة مغلقة للأسرار، ولغير الأسرار، فسوف تجد لها أشياء مماثلة كثيرة فى بيت التحف الإيطالى!
وإلى جانب سحارة جدتى، وجدتك، وإلى جانب الدولاب الخشبى الذى كان يملأ جداراً كاملاً من الغرفة أيام زمان، وإلى جانب مرآة الحائط ذات البرواز الخشبى أيضاً، سوف تصادف لوحات لفنانين كثيرين وكبار، إيطاليين، وغير إيطاليين، وكلها معروضة لأصحاب الذوق العالى، إذا أرادوا أن يكون الفن الراقى، كما كانت تعرفه أجيال سابقة، هو الهواء الذى يتنفسه البيت العصرى فى العام الخامس عشر من الألفية الثالثة!
وعندنا، فإن بائع الروبابيكيا، الذى يدور فى الشوارع، كل يوم، إنما هو بيت تحف مصرى مماثل ولكنه متحرك، ويلتقط الكثير مما يشبه الموجود فى بيت التحف الإيطالى، ثم يبيع بضاعته بطريقته، وربما فى عرض الشارع!
الفارق الأساسى، بين ذلك البيت هناك وبين بائع الروبابيكيا فى شوارعنا، أن الفكرة وجدت عندهم مَنْ يجسدها فى متحف يتحول إلى مزار، ثم وجدت مَنْ يدرك أن البيوت فى عصرنا فى حاجة إلى أن تتجمل، وأنها سوف تكون أجمل، وسوف تعطى العين متعة بصرية أكثر إذا ما كانت جدرانها تزدان بما كان الأجداد يستخدمونه، ثم حدث أن زهد فيه الأحفاد، فتخلصوا منه، لسبب، أو لآخر!
حين وقعت عيناى على مرآة الحائط القديمة، معروضة فى أكثر من ركن، فى البيت الإيطالى، قلت فى نفسى: كم ألف مرآة من هذا النوع تم إلقاؤها بين الكراكيب فى بيوتنا، مع أنها، بقليل من العناية، كما رأيت، يمكن أن تكون قطعة فنية فى حد ذاتها ويمكن أن تكون ثروة؟!