سليمان جودة
بكلمات قاطعة، أراد عبدالإله بن كيران، رئيس حكومة المغرب، أن يقطع الطريق، وهو يتحدث قبل أيام إلى أعضاء فى حزبه الحاكم، على الذين يريدون إفساد العلاقة بين القاهرة، والرباط.
كان الرجل يتحدث، مساء السبت، إلى أعضاء فى الحزب، فى مدينة سلا، القريبة من العاصمة المغربية، وهناك قال ما أراد به أن يؤكد، من جديد، أنه ليس إخوانياً، ولا علاقة له بالإخوان، وأن حزب «العدالة والتنمية» الذى يترأسه هو، ويحكم من خلاله منذ ثلاث سنوات، له مرجعية إسلامية معلنة، غير أن هذه المرجعية لا تعنى أبداً أن يكون للحزب أدنى علاقة بالجماعة الإخوانية، لا على مستوى الأفكار، ولا على المستوى التنظيمى بوجه عام.
حديث «بن كيران» جاء فى ظل أجواء تتحدث فيها الصحافة المغربية، عن فك خيوط لمخطط كان أنصار «الجماعة» يهدفون من خلاله إلى إحداث قطيعة بين البلدين، وهو الأمر الذى انتبه إليه المسؤولون فى العاصمتين، مبكراً، ونجحوا إلى حد كبير فى وأده فى مهده، وفى مكانه!
مما قاله بن كيران، مثلاً، أن حزبه يسعى لإصلاح المجتمع، لا إلى أسلمته، وأنه، كحزب يحكم بالائتلاف مع ثلاثة أحزاب أخرى، لا يفكر فى تنفيذ أى أجندة دينية، لأن كل ما يشغله، هو حل مشاكل المواطنين المغاربة.. ثم قال: المرجعية الإسلامية للحزب لا تعطينا أى أفضلية على باقى المغاربة.. وأضاف: الحركة الإسلامية التى نشأ فيها قادة الحزب كانت ثمرة اجتهاد خاص، جاء بدوره دون وصاية من الداخل، أو من الخارج.
هذا كله جزء من كلام كثير قاله رئيس حكومة المغرب، واحتفت به صحافة بلاده، ورأت فيه مؤشراً على أن «بن كيران» يعى جيداً ما يراد للعلاقة بيننا وبينهم، من جانب أطراف خفية، على يد حكومته، ولذلك، فهو يبادر بنفسه، ليفسد أى محاولة يمكن أن تنال من علاقة مصر بالمغرب.
وإذا كان لى أن أنبه القارئ الكريم إلى عبارة ذهبية جاءت على لسان الرجل، فهى تلك العبارة المهمة للغاية، التى يقول فيها إن حزبه مهتم بإصلاح المجتمع، لا بأسلمته على أى نحو، ولابد أنه، وهو يقول كلاماً مهماً كهذا، يكشف عن أنه يأخذ الدرس جيداً من تجربة الإخوان فى الحكم عندنا، ويكشف كذلك، دون أن يقولها صراحة، عن أنهم كجماعة إخوانية فى مصر كانوا أغبياء إلى أقصى درجات الغباء، وكانوا حمقى إلى الحدود العليا للحماقة، عندما فعلوا العكس تماماً، فراحوا من أول يوم لهم فى الحكم يعملون على أسلمة المجتمع، دون أن يفكروا ولو للحظة، فى إصلاحه، أو فى حل مشاكله!
وعندما تصدر مثل هذه المعانى، التى أشرت إليها، من رئيس الحكومة فى المغرب، ثم يكون وزير خارجيتنا على موعد مع زيارة إلى الرباط، الأسبوع المقبل، فمعنى هذا أن الطرفين يريدان أن يقولا، إنهما يحرصان على تجاوز كل ما يمكن أن يطرأ على العلاقات، لأنها أعمق من أى طارئ، وإنهما، أيضاً، يعرفان جيداً ماذا يريد خصوم البلدين، وإنهما، كذلك، سوف يفوتان عليهم هذه الفرصة، وكل فرصة أخرى.
ولابد أنى، من جانبى، فى حاجة إلى أن أعيد تذكيرك بعبارة أخرى، ربما تكون أهم، ظل «بن كيران» يرددها بامتداد ثلاث سنوات مضت.. كان ولايزال يقول: جئتُ كرئيس حكومة لأعمل على حل مشاكل الناس، لا لأفرض عليهم رؤيتى للإسلام!