سليمان جودة
قيل للناس عند وضع أول طوبة فى صندوق «تحيا مصر» إن تقريراً شهرياً منتظماً سوف يصدر عنه، وإن هذا التقرير سوف يحمل أخبار الصندوق بالتفصيل، بما يجعل كل مواطن، سواء تبرع له أو لم يتبرع، على دراية كافية به، وبما فيه، وبما يشجع كثيرين لم يتبرعوا على أن يذهبوا ويتبرعوا.
وقد مر أكثر من شهر، على ما قيل، دون أن يصدر التقرير المرتقب، ودون أن نعرف من خلاله، إلى أى حد وصلنا فى صندوقنا، وما هو سقف طموحنا من خلاله أيضاً فى النهاية!
وكان قد قيل يومها كذلك، إن صندوق (306306) سوف ينضم إلى (037037) الذى هو رقم حساب «تحيا مصر» ولا يعرف أحد، إلى الآن، ما إذا كان الأول قد انضم إلى الثانى فعلاً أم لا؟! وإذا كان قد انضم، فكم بالضبط كان فى الصندوق الأول، وكم فيهما معاً، بالقرش والمليم، بعد انضمامهما؟!
لا نريد أى درجة من التشابه بين «تحيا مصر» وبين سائر حسابات التبرع التى سبقته، فجميعها تثير الشكوك فى نفوس المصريين، وجميعها جمعت مالاً لم يعرف أصحابه إلى اليوم أين ذهب، ولا فى جيب من بالضبط استقر، وليس صندوق محمد حسان ببعيد، وإذا كان هذا الصندوق الجديد يقع تحت إشراف رئاسة الجمهورية والأزهر والكنيسة، فهذه جهات عامة ثلاث، كما أن على رأسها، وفيها مئات وآلاف الأشخاص، ونحن نريد فى نهاية المطاف شخصاً محدداً من لحم ودم، يكون هو المسؤول، ويكون هو المكلف بأن يخاطب المواطنين بتقرير شهرى منتظم انتظام الساعة الدقيقة، فلا يتخلف عن موعده دقيقة واحدة.
وإذا كان الرئيس قد حدد مائة مليار جنيه كسقف يريده للصندوق، وإذا كان ما وصل إليه، إلى هذه اللحظة، لا يكاد يمثل 10٪ من هذا المبلغ، فإن هناك أشياء محددة لابد أن نراعيها بدقة وحزم فى الصندوق، حتى يصل إلى سقفه المنتظر، وربما يزيد عليه.
من هذه الأشياء - مثلاً - أنه ربما يكون من الأفضل أن نغير طبيعة ومسمى، ما يتلقاه الصندوق من «تبرعات» إلى «مساهمات» وبينهما كما ترى فارق كبير، لأن التبرع يصبح بطبيعته بعد وضعه فى الصندوق ملكاً للدولة أو للجهة التى تجمع المال، لا لصاحبه الأصلى، بينما المساهمات تجعل المال ملكاً لصاحبه، حتى بعد المساهمة به، وهو ما لابد أنه يزيد من درجة الاطمئنان فى نفس كل واحد، ويجعله واثقاً من أن ما ساهم به لايزال فى جيبه هو، سواء فى صورة أسهم أو غيرها!
ومن هذه الأشياء أيضاً أنه يتعين علينا التفكير، من الآن، فى أن ننشئ بأموال الصندوق بعد اكتمالها شركة كبرى ضخمة، أو عدة شركات كبيرة تعمل فى كل مجال يهم الملايين ويتصل بحياتهم بشكل مباشر، ولك أن تتصور - مثلاً - شركة عملاقة فى الاستثمار الزراعى، يتم إنشاؤها برأس مال خمسين مليار جنيه، مثلاً.. مثلاً.. ويكون أصحابها هم المساهمين فيها من خلال الصندوق، ثم يكون لها أن تعمل فى كل مجال يتيحه لها اسمها؟!.. وهكذا.. وهكذا.. فى سائر مجالات العمل فى أركان المجتمع.
لقد قرأت منذ أيام أن الصندوق سوف يمول عملية لإنقاذ جنوب سيناء من السيول، تتكلف مليار جنيه، وعندها أحسست بأن هذه دون أن نقصد، هى بداية تبديد أموال الصندوق، وأن هذه هى بداية فقدان الناس للأمل فيه، لا لشىء، إلا لأن الهدف منه أن توضع أمواله فى شىء واحد محدد، له أول، وله آخر، بحيث يعيش طويلاً ويظل رمزاً باقياً للصندوق، لا أن نبدد ملياراً فى سيناء، وآخر فى إصلاح الطرق، وثالثاً فى كذا.. إلى آخره، فالصندوق ليس جمعية خيرية ولكنه خطوة نحو مشروع كبير، كما أنه رمز، فلا تشوهوه!