سليمان جودة
أرجو أن ننتبه جميعاً إلى أن هناك طرفاً من نوع ما، يعمل هذه الأيام على «توظيف» أى اعتداء من أمين شرطة هنا على طبيب، أو أى اعتداء من ضابط هناك على أحد المحامين، من أجل النيل من جهاز الشرطة كله، وإهالة التراب عليه!
أرجو هذا بصدق، وبقوة، لأنى بمثل ما أرفض أى اعتداء من جانب أى فرد من أفراد الداخلية، على أى مواطن، أياً كان وضعه الاجتماعى، فإننى أرفض بالدرجة ذاتها تضخيم الاعتداءات التى تقع، وعدم وضعها فى إطارها وفى حدودها، باعتبارها حالات متناثرة، لا تمثل ظاهرة.
أقول هذا وفى ذهنى أننا لا يجوز أن ننسى أبداً أن الإخوان عندما أحرقوا منشآت فى البلد، يوم 28 يناير 2011، لم يحرقوا مدارس ولا مصانع، ولا مستشفيات، وإنما أحرقوا أقساماً ومراكز للشرطة فقط، وكانت هى دون غيرها هدفاً عندهم، بما يعنى أن الجهاز على بعضه كان هو الهدف، منذ أول لحظة، وأظن أنه لايزال.. وهو ما أتمنى أن ننتبه إليه، فى الداخلية نفسها، وفى خارجها بالسواء!
ثم أقول هذا وفى ذهنى أن الشرطة الأمريكية قتلت فى عام 2015 المئات من المواطنين السود، وفى عرض الشارع أحياناً، ولم نسمع، أو نقرأ، عن اتهام للشرطة هناك كلها، وإنما كانت كل حالة توضع حيث يجب أن توضع، وفى سياقها الصحيح، دون تهويل، ودون تهوين!
ثم أقول هذا، لثالث مرة، وفى رأسى مقارنة لا تخلو من معنى، بين واقعة اعتداء ضابط فى الإسكندرية على حياة طبيب، وبين واقعة الحكم على الضابط نفسه بالسجن ثمانية أعوام.. ففى حالة الاعتداء، الذى لا أقره لحظة واحدة، ملأت الواقعة الدنيا، وشغلت الناس، وفى حالة صدور الحكم لم يسمع به أحد!
هذا كله لا يمنع أن على الداخلية بوجه عام، وعلى اللواء مجدى عبدالغفار بشكل خاص، ثم على مستويات الدولة الأعلى بشكل أخص، أن تحتوى أى اعتداء يقع فى المستقبل، بسرعة وفى لحظته، وأن تعيد الحق لصاحبه، أياً كانت رتبة المعتدى فيها، لأن عدم حدوث ذلك يؤدى إلى ما نراه ونتابعه بين الأطباء وبين الداخلية، من محاولات مكشوفة، لتسييس القضية، وإخراجها من سياقها، وإعطائها حجماً أكبر من حجمها الطبيعى، لأهداف ليست خافية على أحد.. ولقد كان التحقيق الفورى فى الواقعة، منذ بدايتها، وتقديم أمناء الشرطة المتهمين للمحاكمة، إذا كان الأمر يقتضى ذلك، كفيلاً بوأد محاولة «توظيف» القصة كلها، ضد الداخلية كلها أيضاً، وتسييسها، وإعطائها طابعاً ليس فيها!
لقد استدعت النيابة، يوم الأربعاء قبل الماضى، تسعة من أمناء الشرطة المتهمين، فى واقعة مستشفى المطرية، وكان اتخاذ هذه الخطوة من البداية، ثم متابعتها من جانب الوزارة، وإعلان ما جرى مع التسعة، أولاً بأول، على الرأى العام، كافياً لإعادة حق الأطباء المعتدى عليهم، وكافياً كذلك، وهذا هو الأهم، لإبطال مفعول كل محاولات المتربصين بجهاز الشرطة بكامله!
الداخلية ليست عدواً للأطباء، ولا للمحامين، ولا للشعب كله بالطبع، ولا يجوز أن تكون، بل هى تضحى من أجل هؤلاء كلهم، فى كل صباح، وتدفع من حياة أفرادها الكثير صداً عن كيان بلد، فلماذا نسمح لوقائع فردية، بالتشويش على الأصل، وعلى المضمون؟!
على الشرطة، ثم سائر الأطراف، استحضار أجواء 28 يناير 2011، ومن الممكن جداً عندهم أن يدرك الجميع الجانب غير المرئى، فى الوقائع التى تابعناها ونتابعها، واقعة بعد واقعة!