سليمان جودة
قال الرئيس، فى لقائه مع الإعلاميين قبل أيام، إن انقطاع الكهرباء عن الناس يؤلمه، وهو شعور لابد أنه طيب من جانب رأس السلطة فى البلد، غير أنه لا يكفى بالمرة!
لا يكفى لماذا؟!.. لأن تعاطفك وحده، يا سيادة الرئيس، موش كفاية، على رأى الإعلان إياه، كما أننى أظن أن الرئيس لا يكاد يتصور حجم المأساة التى يعيشها كل بيت بسبب هذه المشكلة!
لا يكاد هو يتصور، لأن المؤكد أن الكهرباء لا تنقطع عن الرئاسة، ولا عن بيت الرئيس، وبالتالى فهناك فرق كبير بين أن يقال للرجل، ممن حوله، وفى تقارير مكتبه، إن التيار لا يكاد يأتى حتى يذهب، وبين أن يدرك رئيس الدولة معنى انقطاع الكهرباء لست ساعات، وربما أكثر، فى كل يوم.
أعرف أن الرئيس يتمنى لو أنه تمكن من حل المشكلة فى لحظة، وأعرف أنه غير راضٍ أبداً عما يعانيه المواطنون فى بيوتهم، وأعرف - كما يعرف غيرى - أنه رجل مخلص، ووطنى حتى رأسه، وراغب فى فعل شىء حقيقى لمواطنيه، وسوف يفعل، وليس مشروع محور القناة، بحجمه وآفاق مستقبله لنا جميعاً، إلا دليلاً مؤكداً على ذلك، غير أن هذا كله كوم، بينما مشاكل المواطن فى حياته اليومية كوم آخر!
وما أرجوه صادقاً أن يلتفت الرئيس إلى أن بسطاء الناس بيننا، وهم بالملايين، يبحثون عما يجدونه فى حياتهم، فى اللحظة الراهنة، لا غداً، ولا بعد غد.. اليوم الذى هو اليوم!
ليس هذا تقليلاً بالطبع من أهمية ما يجرى العمل فيه، ليكون له عائد فى حياتنا غداً، وبعد غد، وعلى أمد غير قريب، ولكنى أتكلم عن مواطن فى عجلة من أمره، بطبيعته، إنه مواطن يريد أن يحس بأن الشارع الذى يقطعه إلى عمله، أو حول بيته، أصبح اليوم أنظف منه أمس.. وهو غير الحاصل حتى الآن، بكل أسف، ثم إن هذا المواطن ذاته يتمنى لو يشعر بأن المواصلة التى يأخذها فى أى مشوار صارت أفضل الآن، ولو بنسبة واحد فى المائة، عما كانت عليه من قبل، لا أن يكتشف - مثلاً - أن فاتورة الكهرباء زادت فى يوليو، فى مقابل خدمة أسوأ فى أغسطس!
أقول هذا كله لألفت نظر السيد الرئيس، والذين هم حوله، إلى أنه إذا كان من المهم جداً أن تخطط لمشروعات كبرى من نوعية محور القناة، فإن الأهم منه، بحكم ظروفنا، أن يتوازى معها اهتمام بما يعود على المواطن فى لحظته، وبما يشعر به اليوم، لا غداً!
الملايين منا مستعدون لعبور البحر مع الرئيس، ولكننا لسنا كلنا قادرين على أن نتحمل انقطاع الكهرباء بهذه الطريقة التى تفسد حياة الشيطان نفسه، ولسنا كلنا مستعدين لأن نتحمل سوء الخدمة العامة فى الشارع، أو فى المواصلات، أو فى المستشفيات، أو.. أو.. مما يتعرض له ملايين البسطاء بشكل مباشر فى كل صباح.
خذوا من أى بند، ثم ضعوا فى بند الكهرباء، باعتباره بنداً شديد الإلحاح، وليشعر الغالبية بأن الحياة أصبحت أفضل، ولو بمقدار بسيط، وإذا كانت الحكاية حكاية قيام عدد من أنصار الإخوان، الذين هم بلا ذمة، ولا ضمير، ولا ولاء، ولا انتماء لهذا الوطن، بتحطيم أبراج الضغط العالى، فلماذا لا يتم إعدام من يجرى ضبطه منهم، فى ميدان عام، ليرتدع غيره، وليعلم الذين يعانون من المشكلة أن المتسبب فيها قد نال عقابه، وأن الحكومة غير مقصرة فى واجبها إزاءهم؟!
ركزوا من فضلكم على ما يمس المواطن فى حياته مباشرة، واليوم، اليوم مرة أخرى، وليس غداً.. فهذا أدعى إلى أن يبقى الأمل عنده، فى منسوبه المرتفع الذى بدأ مع 30 يونيو، كما أنه أدعى إلى ألا يفقد حماسه للرئيس والحكومة، إذ المفهوم أن حماس الناس هو الأكسجين لهما معاً!
"المصري اليوم"