سليمان جودة
الذين انتفضوا، ولايزالون، لأن الدولة أعادت جزيرتين إلى السعودية، لم يسألوا الحكومة يوماً عما فعلته، ولا عما عليها أن تفعله، بـ160 جزيرة أخرى تتناثر بامتداد النيل والبحر الأحمر!
لقد كتبت فى هذا المكان، فى 19 ديسمبر الماضى، أن الكويت قررت تحويل خمس جزر تملكها فى الخليج العربى إلى منطقة اقتصادية حرة متكاملة، ثم قررت أن يكون تحويلها بمشاركة من القطاع الخاص المحلى، والإقليمى، والدولى، وألا تتحمل المالية العامة للدولة شيئاً فى المشروع، إلا أقل القليل!
وكان الهدف من المشروع أن يجد الشباب الكويتى فرص عمل خارج القطاع العام.
وفى السعودية، أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد، أن بلاده تخطط لدخل غير نفطى يصل إلى مائة مليار دولار سنوياً، خلال عشرين عاماً من هذا العام، وعندما سألوه عن مصادر مثل هذا الدخل الذى تترقبه المملكة وتمهد الطريق إليه، راح يعدد مصادره، وكانت الجزر السعودية فى البحر الأحمر من بين مصادر المائة مليار دولار!
وعندنا، فإن حى الزمالك بكامله هو جزيرة ممتدة فى النيل، وكذلك حى المنيل، ولك أن تتصور حجم الدخل الذى يمكن أن يعود علينا لو أننا أدركنا حجم الثروة العائمة فى البحر والنهر، وكيف أن لدينا منها 160 صورة من الزمالك مرة، ومن المنيل مرات، باختلاف مساحة الجزيرة طبعاً، التى قد تضيق هنا، ثم تتسع هناك!
ماذا عن عدد هذه الجزر بالضبط؟!.. وهل هى 160، كما يقال عنها فى أحيان، أم أنها 180، كما يقال عنها فى أحيان أخرى؟!.. ثم أين مواقعها بامتداد ألف كيلومتر فى النيل، ومثلها فى البحر الأحمر؟!.. وإذا كان بعضها يجرى استخدامه عسكرياً، فى البحر الأحمر خصوصاً، فماذا عن البعض الآخر؟!.. وهل لدينا تصور واضح عن الطريقة التى يمكن بها لهذه الجزر أن تدر علينا ذهباً؟!.. وما الجهة التى تتبعها؟، وإذا كانت جهات متفرقة فلماذا لا نوحدها فى جهة واحدة، ثم يطلب منها رئيس الحكومة برنامجاً زمنياً محدداً لتوظيفها، بما يجعلها تصب فى صالح اقتصاد البلد بوجه عام؟!
الكويت تحول خمس جزر بالكاد إلى منطقة اقتصادية حرة متكاملة، والسعودية تضع عدة جزر لها عند شاطئ جدة ضمن مخطط أوسع لجلب مائة مليار دولار لخزانتها العامة، ونحن لا نعرف أين هى جزر النهر والبحر، ولا كيف سوف نوظفها لإتاحة فرص عمل للباحثين عنها، ثم لتكون إضافة إلى اقتصاد بلد يفتش عن أى مورد جديد فى كل صباح، فلا يكاد يقع على شىء!
أى جزيرة من الـ160، أو الـ180، لم يهبها الله لنا لنلتقط عليها الصورة، إذا حانت مناسبة، ولا لنتركها مأوى للخارجين على القانون، فى حالات كثيرة منها، ولا حتى لنتعامل معها بالمنطق نفسه الذى نتعامل به مع الأرض فى الصحراء، التى نفضّلها صحراء، فإذا اقترب منها أحد يعمرها، طاردناه، بدلاً من أن نساعده، فنساعد بالتالى أنفسنا، قبل أن نلتمس مساعدة من آخرين!.. كفانا تبديداً لثروة النهر والبحر!