توقيت القاهرة المحلي 11:49:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جريمة على يمين «محلب»!

  مصر اليوم -

جريمة على يمين «محلب»

سليمان جودة

مررت قبل أيام من أمام فندق ميريديان القاهرة، فأصابنى الحزن الذى يصيبنى فى كل مرة أمر فيها من أمامه، وسألت نفسى فى ألم عما إذا كنا نستحق فعلاً أن يجرى النيل الخالد على أرضنا، أم أننا لا نستحقه، ولا يستحقنا؟!

فالذين سافروا منا قد رأوا بأعينهم كيف أن هذه الدولة، أو تلك، لا تملك من الأنهار على أرضها إلا ما هو أقرب إلى الترعة الصغيرة، منه إلى النهر بمفهومه الطبيعى، فضلاً بالطبع عن أن يكون فى حجم نيلنا العظيم، ومع ذلك، فإن احتفاءها بما تسميه نهراً عندها يدعوك إلى الإعجاب بها حقاً، ثم يدعوك إلى الأسى، حين تتذكر كيف هو حال النهر الخالد على أرض بلادك!

هل من حق المستثمر.. أى مستثمر.. أياً كان اسمه، أو حجمه، أو حجم أعماله، أن يشترى فندقاً فى موقع فريد، مثل الميريديان، ثم يغلقه هكذا بالضبة والمفتاح، لسنوات وسنوات، ويجعله مأوى للفئران والحشرات، ويحوله إلى خرابة على النيل.. تصور أنت خرابة على النيل من عشرة أدوار.. هل من حقه أن يفعل هذا بفندق هذا هو اسمه، وهذا هو موقعه الذى لا يكاد يجاريه موقع آخر لأى فندق فى البلد؟!

لقد كان المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، حاضراً فى المناسبة ذاتها، التى حضرتها، عندما مررت من أمام «الفندق- الجريمة» إذا جاز أن نطلق عليه هذا الاسم، ولابد أنه قد مر عليه مثلى، ومثل غيرى، ونحن فى طريقنا لحضور حفل توزيع جوائز مصطفى أمين فى الصحافة، مساء الاثنين، ولا أعرف ما الذى دار فى ذهن المهندس محلب، وهو يمر أمام الفندق الساحر، أو الذى كان ساحراً، ثم أصبح مظلماً كئيباً، ينعى حظه معنا، ثم معه يأسف النيل الخالد على اليوم الذى كتب الله عليه فيه أن يجرى فى أرض لا يدرك أصحابها حقيقة قيمته عندهم، ويهيلون التراب عليه، وعلى المنشآت المطلة على شاطئه، فى اليوم الواحد، ألف مرة ومرة!

لا أعرف ما الذى دار فى عقل رئيس وزرائنا وهو يمر أمام فندق، كان قبل أن يستحوذ عليه المستثمر إياه، بلحظات، يمثل حلماً بعيد المنال، لدى كل قادم إلى القاهرة.. لا أعرف!

ولكننى أذكر تماماً كيف أن أديب السودان، الطيب صالح، كان لا يفارق ميريديان القاهرة إذا جاء إلى مصر، وحين سألته مرة عن السبب الذى يدعوه إلى الإقامة فى هذا الفندق تحديداً، دون غيره، وعن السبب الذى يجعله لا يغيره، نظر نحوى فى دهشة، ثم قال ما معناه إنه لا يتمنى فقط أن يقيم فيه فى كل زيارة له للقاهرة، وإنما يتمنى لو مات فيه أيضاً، لأنه، رغم إقامته فى لندن، ورغم أنه نزل فى فنادق كثيرة حول العالم، إلا أنه لم يصادف فندقاً له مذاق هذا الميريديان أبداً!

يرحمك الله يا أديبنا العظيم، فلا أعرف ما الذى كنت ستقوله، لو أنك جئت مرة لتحجز غرفتك فيه، كالعادة، فأخبروك بأن مستثمراً عربياً قد اشتراه، ثم أغلق أبوابه، وأخذ مفاتيحه، وسافر، وطلب ممن يعترض منا، أو من مسؤولينا، أن يخبط رأسه فى أى حائط يعجبه من حوائط الفندق!

يرحمك الله يا أديبنا الجميل، والحمد لله أنك غادرت عالمنا قبل أن تشهد هذه الجريمة متكاملة الأركان على شاطئ نهرنا الخالد، الذى بكل تأكيد، لا نستحقه، ولا يستحقنا.. وكيف نستحقه، أو يستحقنا، ونحن نهينه فى كل لحظة يبقى فيها الميريديان على هذا الحال البائس المحزن؟!

كانت الجريمة على يمين «محلب» فى طريقه لحضور الحفل، ثم على يساره وهو عائد إلى بيته، والمهم الآن ليس موقعها منه فى ذهابه، ولا فى إيابه، وإنما موقعها على أجندة قراره بعد أن رآها بعينيه!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة على يمين «محلب» جريمة على يمين «محلب»



GMT 09:38 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لمن يهتف المتظاهرون؟

GMT 09:36 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 09:35 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 09:33 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 09:32 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أيُّ غدٍ للبنان بعد الحرب؟

GMT 09:30 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 09:29 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

GMT 09:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أما رابعهم فهو المُدَّعي خان

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon