سليمان جودة
روى لى صديق أنه بعد مرور الأسبوع الأول من رمضان، كان يغير القناة على الفور، إذا ما صادف إعلاناً على شاشتها، من إعلانات التسول إياها، التى طاردت المشاهدين بشكل لا يليق أبداً طوال الشهر!
فما معنى هذا؟!.. معناه أن تلك الإعلانات جاءت بعكس ما هو مطلوب من ورائها تماماً، وأن النبرة فيها حين زادت عن حدها، فإنها انقلبت إلى ضدها، وأن الذين راهنوا من خلالها على كسب عطف كل مشاهد، قد خرجوا فى النهاية باستياء عام إزاءهم بين المشاهدين، من الطريقة المبتذلة، لا الفكرة النبيلة.
وأقول الطريقة، لا الفكرة، لأنه لا خلاف تقريباً حول أن مستشفيات من نوع مستشفى الدكتور مجدى يعقوب فى أسوان، أو مستشفى الأطفال فى أبوالريش، أو مستشفى الأورام فى 6 أكتوبر، تستحق أن يمد لها كل قادر يده بالعون والمساعدة، غير أنه هناك فرق هائل بين أن تحفز القادرين على أن يمدوا أيديهم، وبين أن تصفع المشاهدين على وجوههم، فى كل مرة تطل عليهم، إلى الدرجة التى لجأ بعضهم معها، وربما أغلبهم، كما هو حال صديقى، إلى تغيير المحطة بالكامل، لأنه لم يعد يحتمل!
وربما يكون إعلان مستشفى الدكتور يعقوب هو الأكثر احتراماً فى مخاطبة عقل المشاهد، لا قلبه، فقد كان يعتمد على محاولة إقناع القادر من بين المشاهدين، بأنه كمستشفى يستحق عونه ومساعدته، ولم يكن أبداً يلجأ إلى استجداء أى قادر، ولا إلى الاستهانة به، وكان يقول، مثلاً: إنه ذهب إلى أسوان من أجل كذا، وكيت، وإنه لهذا يراهن على أن يكون القادرون معه فى الفكرة، وأن يدعموها، وأن يقفوا وراءها إلى آخر مدى.
والآن.. وقد هدأ الصخب الذى دار حول إعلانات الشهر، وحول شكلها المسىء للغاية لكل مصرى بامتداد 30 يوماً، فلابد أن نتساءل عن طبيعة وعنوان الجهة التى يمكن أن يلجأ إليها أى مشاهد، إذا ما أحس بأن إعلاناً على أى شاشة قد استخف بعقله، وأساء إليه، بل أساء إلى صورة بلد بكامله؟!.. إلى أى جهة بالضبط، يكون على المشاهد عندئذ أن يذهب، وأن يستغيث، وأن يطلب الاحترام لا أكثر، فى أى إعلان؟!
يعرف الجميع أن عندنا جهازاً لحماية المستهلك من جشع البائع، أو استغلال المنتج، ونعرف أنك كمستهلك إذا ما ساءك شىء، عند شراء أى سلعة، فأمامك أن تطلب 19588 ليكون الجهاز عوناً لك، وإلى جوارك، ونتوقع ألا يخذل الجهاز أى مستهلك، وأن تدعم الدولة جهازاً من هذا النوع، وبهذه المهمة، لأقصى حد ممكن.. ولكن.. ماذا عن مستهلك الإعلان طوال رمضان؟!
فالإعلان فى النهاية سلعة، والمشاهد إنما هو مستهلك لها، ولذلك، فإن السؤال الذى ألح على مشاهدينا طوال شهر الصيام، إنما كان عمن عليه أن يحمى المشاهدين من تغول الإعلانات عليهم، ومن سوء ما كان فيها، كسلعة، وهو سوء بلغ حداً لا يجوز السكوت عليه، ولا يمكن لأى شخص أن يصمم إعلاناً على مزاجه، ثم يطلقه علينا، دون ضابط أو رابط!.. لا يمكن.. وما أتصوره أن بعضاً من الرقابة مطلوب، وبسرعة، لا للتقييد، وإنما للترشيد فى الأداء، حتى لا تفقد القنوات كلها ما تبقى لها من مصداقية عند انتهاء الشهر.