سليمان جودة
الحكومة مشغولة هذه الأيام بالبحث عن طريقة جديدة تصل بها السلع الأساسية إلى الناس بأسعار معقولة، وهى تتكلم مرة عن سلاسل تجارية فى عشر محافظات، ومرة عن 2850 سيارة للشباب كمنافذ تسويقية متنقلة!
وكان الرئيس قد دعا منتجى السلع، يوم الأربعاء قبل الماضى، إلى مواصلة مبادرة خفض الأسعار.
وقد كنت أتمنى لو أن أحدا ممن يحيطون بالرئيس قد لفت انتباهه إلى أن المشكلة ليست عند منتج السلعة أبدا، لأنه كمنتج ليس هو فى الغالب الذى يبيع سلعته للمستهلك، وإنما هناك بائع هو الذى يتحكم فى السعر، ثم إن هناك وسيطا بين البائع وبين المنتج وهذا بالضبط، أقصد الوسيط، هو أصل المشكلة كلها!
ولذلك فإن سيارات الشباب التى يتكلمون عنها إذا أخذت من الوسطاء لتبيع للناس فلن نصل إلى شىء، وسوف نصل إلى شىء فعلا إذا جاءت السلع لسيارات الشباب من المنتج رأسا لتباع بهامش ربح معقول، ولتقضى عندئذ على حلقة الوسيط التى تستحوذ على النسبة الأكبر من الربح فى غالب الأحوال، وترفع سعر أى سلعة إلى ما لا يقل عن أربعة أضعاف سعرها عند المنتج!
كل ما تفعله الحكومة ويقوله الرئيس شىء طيب النية، ويرغب حقا فى أن تنخفض الأسعار أمام المواطن، ولكن الشىء الذى لا يجب أن يغيب عن الحكومة، ولا عن الرئيس، أن الحكاية فى الأصل إنما هى عرض وطلب، ثم إنها رقابة جادة على الأسواق لقطع الطريق على الوسيط الذى يشترى كيلو البرتقال من المزرعة بجنيه واحد فإذا بالكيلو نفسه يصل ليد أى مستهلك بأربعة جنيهات!.. وهكذا الحال وأكثر فى شتى السلع!
نقطة البدء أن تسأل الحكومة عن سعر السلعة.. أى سلعة.. عند منتجها ثم تنظر بماذا تباع هذه السلعة ذاتها فى الأسواق، وسوف تكتشف أن السعر عند المنتج يتم ضربه فى 4 أو فى 5 أمام المستهلك الذى لا يكون أمامه إلا أن يشترى صاغرا، فإذا ما كانت هناك رقابة من النوع الحقيقى على تلك الحلقة الجهنمية الوسطى، فسوف نقطع الطريق عليها، وسوف لا نكون فى حاجة إلى سلاسل تجارية، ولا حتى إلى سيارات شباب، ولن يكون المستهلك فى حاجة إلى أن يشترى رغم أنفه وبالسعر الذى يراه أمامه مضروبا فى خمسة أضعاف أصله!
سيارات الشباب فكرة جيدة جدا بالطبع، من حيث قدرتها على تشغيل شباب عاطل، ولابد أن السلاسل التجارية فكرة مماثلة فى جودتها، من حيث قدرتها على توفير منافذ بيع وعرض نظيفة وآدمية، ولكن هذا كله سوف يظل يصب خارج الكأس، ما لم نحاصر الحلقة الوسطى التى هى صلب المشكلة وعمودها!